هدى الساري لمقدمة فتح الباري

ذكر نسبه

          [ذكر نسبه]
          هو أَبُوْ عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ بْنِ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ الْمُغِيْرَةِ بْنِ بَرْدِزْبَهْ الْجُعْفِيُّ، وُلِدَ يومَ الجُّمُعَةِ بعدَ الصَّلَاةِ لثلاثَ عشرَةَ ليلَةً خَلَتْ من شوالٍ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومائةٍ بِبُخَارَى، قالَ المُسْتَنِيْرُ بْنُ عَتِيْقٍ: أخرجَ لِيَ ذلكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ بِخَطِّ أَبِيْهِ، وجاءَ ذلك عنهُ من طُرُقٍ، وجَدُّهُ بَرْدِزْبَهْ بفتحِ الباءِ الموحدَةِ، وسكونِ الراءِ المهملَةِ، وكسرِ الدالِ المهملَةِ، وسكونِ الزَّايِّ المعجمَةِ، وفتحِ الباءِ الموحدَةِ بعدَهَا هاءٌ هذا هو الْمَشْهُورُ في ضَبْطِهِ، وبهِ جَزَمَ ابْنُ مَاكُولَا، وقيلَ في ضبطِهِ غيرَ ذلكَ، وبَرْدِزْبَهْ بالفارسيةِ الزُرَّاعُ، كذا يقولُهُ أهلُ بُخَارَى، وكانَ بَرْدِزْبَهْ فَارِسِيَّاً على دينِ قومِهِ ثم أَسْلَمَ ولدُهُ الْمُغِيْرَةُ على يَدِ اليَمَانِ الْجُعْفِيِّ وَالِي بُخَارَى فنُسِبَ إليهِ نسبةَ ولاءٍ عَملاً بمذهبِ مَن يَرَى أنَّ مَنْ أَسْلَمَ على يَدِهِ شخصٌ كانَ وَلَاؤُهُ لَهُ، وإنما قيلَ لهُ الْجُعْفِيُّ لذلِكَ، وأما ولدُهُ إِبْرَاهِيْمَ بْنُ الْمُغِيْرَةِ فلم نقفْ على شيءٍ من أخبارِهِ، وأما والدُ مُحَمَّدٌ فقدْ ذُكِرَتْ لهُ ترجمةٌ في كِتَابِ ((الثِّقَاتِ)) لابْنِ حِبَّانَ فَقالَ في الطبقَةِ الرَّابِعَةِ: إِسْمَاعِيْلُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ وَالِدُ البُخَارِيِّ يَروي عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ومَالِكٍ، وروى عنهُ العراقيونَ، وذكرَهُ وَلَدُهُ في ((التاريخِ الْكَبِيْرِ)) فَقَالَ: إِسْمَاعِيْلُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ الْمُغِيْرَةِ سَمِعَ مِنْ مَالِكٍ وحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وصَحِبَ ابْنَ المُبَارَكِ(1). [وسيأتي بعد قليلٍ قولُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ موتِهِ أنه لا يعلمُ في مالِهِ حَرَامَاً ولا شُبْهَةً](2).
          وماتُ إِسْمَاعِيْلُ وَمُحَمَّدٌ صغيرٌ فنشأَ في حِجْرِ أُمِّهِ، ثم حَجَّ مع أُمِّهِ وأخيهِ أَحْمَدُ، وكانَ أَسَنَّ منهُ فأقامَ هو بمكةَ مُجَاوِرَاً يطلبُ العِلْمَ، ورجعَ أَخُوْهُ أَحْمَدُ إلى بُخَارَى فماتَ بِهَا فرَوَى غُنْجَارٌ في ((تاريخِ بُخَارَى)) واللَّالَكَائِيُّ في ((شرحِ السنَّةِ)) في بابِ كراماتِ الأولياءِ منهُ أَنَّ مُحَمّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ ذهبَتْ عيناهُ في صغرِهِ فرأَتْ والدَتُهُ الْخَلِيْلَ إِبْرَاهِيْمَ في المنَامِ فَقالَ لَهَا: يا هذهِ قدْ رَدَّ اللهُ على ابنكِ بَصَرَهُ بكثرَةِ دُعَائِكِ، قَالَ: فأصبحَ وقد رَدَّ اللهُ عليهِ بَصَرَهُ. وقالَ الْفِرَبْرِيُّ: سمعتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِيْ حَاتِمٍ وَرَّاقَ البُخَارِيِّ يقولُ: سمعتُ البُخَارِيَّ يقولُ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحديثِ وأنَا في الكُتَّابِ، قلتُ: وكم أَتَى عليكَ إِذْ ذاكَ؟ فَقَالَ: عَشَرَ سنينَ أو أقلُّ، ثم خرجَتُ من الكُتَّابِ فجعلتُ أَختلفُ إلى الدَّاخِلِيِّ وغيرِهِ، فَقالَ يَوْمَاً فيما كانَ يقرأُ للناسِ: سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فقلتُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لم يروِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ. فَانْتَهَرَنِي، فقلتُ لَهُ: ارجعْ إلى الأصلِ إِنْ كانَ عِنْدَكَ فدخلَ فنظرَ فيهِ، ثم رَجَعَ فَقَالَ لِي: كيفَ هُوَ [300/أ] يا غلامُ؟ فقلتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ وهو ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فأخذَ القَلَمَ وأصلحَ كِتَابَهُ، وقالَ لِيَ: صدقْتَ، قَالَ: فَقالَ لهُ إِنْسَانٌ: ابْنُ كَمْ حينَ رَدَدْتَ عليهِ؟ فَقَالَ: ابْنَ إِحدى عشرةَ سنةً، قَالَ: فَلَمَّا طَعَنْتُ في سِتِّ عشرةَ سَنةً حفظتُ كُتُبَ ابْنِ المُبَارَكِ ووَكِيْعٍ، وعرفْتُ كلامَ هؤلاءِ، يَعْنِي أَصْحَابَ الرَّأْي، قَالَ: ثم / خرجتُ مع أُمي وأَخِي إلى الحَجِّ.
          قلتُ: فكانَ أَوَّلُ رِحْلَتِهِ على هذا سنةَ عَشَرٍ ومائتينِ، ولو رحلَ أولَ ما طلبَ لأدرَكَ ما أدركَهُ أقرانُهُ من طبقةٍ عَالِيَةٍ ما أَدْرَكَهَا، وإنْ كانَ أدركَ ما قَارَبَهَا كيَزِيْدَ بْنِ هَارُوْنَ، وأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، وقدْ أدركَ عَبْدَ الرَّزَّاقِ، وأرادَ أن يرحلَ إليهِ، وكانَ يُمْكِنُهُ ذلِكَ، فقيل لَهُ: إِنَّهُ ماتَ فتأخرَ عن التَّوَجُّهِ إلى اليَمَنِ، ثم تبيَّنَ أَنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ كانَ حَيَّاً، فصارَ يَروي عنهُ بواسطةٍ، قَالَ: فَلَمَّا طعنتُ في ثَمَانِي عشرة صنفتُ كِتَابَ ((قَضَايَا الصَّحابةِ والتَّابعينَ))، ثم صنفتُ ((التاريخَ)) في المدينةِ عِنْدَ قبرِ النَّبِيِّ صلعم، وكنتُ أكتبُهُ في الليالِي المُقْمِرَةِ، قَالَ: وقلَّ اسمٌ في التاريخِ إِلَّا ولهُ عِندِي قِصَّةٌ إِلَّا أَنِّي كَرهتُ أن يطولَ الكِتَابُ.
          وقالَ سَهْلُ بْنُ السُّرِّي: قالَ البُخَارِيُّ: دخلتُ إلى الشامِ ومِصْرَ والجزيرَةِ مَرَّتَيْنِ، وَإِلَى البصرَةِ أربعَ مراتٍ، وأقمتُ بالحجازِ ستةَ أعوامٍ، ولا أُحْصِي كم دخلتُ إلى الكُوْفَةِ وبغدادَ مع المحدثينَ.
          وقالَ حَاشِدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ: كانَ البُخَارِيُّ يختلفُ مَعَنَا إلى مشايخِ البَصْرَةِ وهو غلامٌ فلا يكتبُ حتى أَتَى على ذلكَ أيَّامٌ فَلُمْنَاهُ بعدَ ستةَ عَشَرَ يَوماً، فَقَالَ: قَدْ أَكثرْتُمْ عَلِيَّ فاعْرِضُوْا عَلِيَّ مَا كَتَبْتُمْ، فأخرجْنَاهُ فزادَ على خمسةَ عَشَرَ أَلْفِ حديثٍ، فَقَرَأَهَا كُلَّهَا عن ظهرِ قلبٍ حتى جَعلنا نُحكِمُ كُتُبَنَا من حِفْظِهِ، وقالَ أَبُوْ بَكْرِ بْنُ أَبِي عَتَّابٍ الأَعْيَنِ: كَتَبْنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ وهو أَمْرَدٌ على بابِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ.
          قلتُ: كانَ موتُ الفِرْيَابِيِّ سنةَ اثنتَي عشرةَ ومائتينِ، وكانَ سِنُّ البُخَارِيِّ إذْ ذَاكَ نَحْوَاً من ثمانيةَ عَشَرَ عَامَاً أو دُوْنَهَا، وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ الأَزْهَرِ السَّجَسْتَانِيُّ: كنتُ في مجلسِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ والبُخَارِيُّ معنا يسمعُ ولا يكتبُ، فقيلَ لِبَعضهم: ما لهُ لَا يَكْتُبُ؟ ! فَقَالَ: يرجعُ إلى بُخَارَى ويكتبُ من حِفْظِهِ، وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ عَنْ البُخَارِيِّ: كنتُ في مجلسِ الفِرْيَابِيِّ فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ فلم يعرفْ أحدٌ في المجلسِ مَنْ فوقَ سُفْيَانَ، فقلتُ لهُمْ: أَبُوْ عُرْوَةَ هو مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، وأَبُوْ الْخَطَّابِ هو قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ، وأَبُوْ حَمْزَةَ هو أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: وكانَ الثَّوْرِيُّ فَعُوْلَاً لذلكَ يُكَنِّي الْمَشْهُورينَ.


[1] كذا في الأصول، والذي في التاريخ الكبير 1/343: «رأى حماد بن زيد صافح ابن المبارك بكلتا يديه».
[2] سقط من ت و د.