هدى الساري لمقدمة فتح الباري

ثناء الناس عليه وتعظيمهم له

          ذكر ثناء الناس عليه وتعظيمهم له
          فَأَوَّلُهُمْ مشايخُهُ، قالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ونظرَ إليهِ يَوْمَاً فَقَالَ: هذا يكونُ له صِيْتٌ، وكذا قالَ أَحْمَدُ بْنُ حَفْصٍ نحوُهُ، وقالَ البُخَارِيُّ: كنتُ إذا دَخَلْتُ على سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ يقولُ: بَيِّنَ لنا غَلَطَ شُعْبَةَ، وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ: سمعتُ البُخَارِيَّ يقولُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ إذا انتخبتَ من كِتَابِهِ نَسَخَ تلكَ الأحاديثَ لنفسِهِ، وقالَ: هذهِ الأحاديثُ انْتَخَبَهَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ حَدِيْثِي. قَالَ: وسمعتُهُ يقولُ: اجتمعَ أَصْحَابُ الحديثِ فَسَأَلُوْنِي أَنْ أُكَلِّمَ لهُمْ إِسْمَاعِيْلَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ لِيَزِيْدَ لَهُمْ في القِرَاءَةِ، ففعلتُ، فَدَعَا الجاريةَ فَأَمَرَهَا أن تخرجَ صُرَّةَ دنانيرَ، وقالَ: يا أَبَا عَبْدِ اللهِ فَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ.
          قلتُ: إِنَّمَا أرادُوْا الحديثَ، قَالَ: أَجبتكَ إلى ما طَلبوا من الزِّيَادَةِ غيرَ أَنِّي أُحِبُّ أن يضمَّ هذا إلى ذاكَ. قَالَ: وقالَ لِي ابْن أَبِي أُوَيْسٍ: انظرْ في كُتُبِي وجميعِ ما أملكُ لكَ، وأنَا شاكِرٌ لَكَ أَبداً ما دُمْتُ حَيَّاً، وقالَ حَاشِدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ: قالَ لِي أَبُوْ مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ أفقهُ عِنْدَنَا وأبصرُ بالحديثِ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، فَقالَ لهُ رَجُلٌ من جُلَسَائِهِ: جاوزتَ الحَدَّ، فَقالَ لهُ أَبُوْ مُصْعَبٍ: لو أدركتُ مَالِكاً ونظرتُ إلى وَجْهِهِ ووجهِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ لقلتُ: كِلاهُمَا واحدٌ في الحديثِ والفقهِ.
          قلتُ: عَبَّرَ بقولِهِ: ونظرتَ إلى وَجْهِهِ. عن التأملِ في معارِفِهِ، وقالَ عَبْدَانُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ: ما رأيتُ بِعَيْنِي شَاباً أبصرَ من هَذَا، وأشارَ إلى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ.
          وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُتَيْبَةَ البُخَارِيُّ: كنتُ عِنْدَ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ فرأيتُ عندَهُ غُلاماً، فقلتُ لَهُ: من أَيْنَ؟ قَالَ: مِنْ بُخَارَى. قلتُ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ، فقلتُ: أنتَ قَرَابَتِي ! فَقالَ لِي رجلٌ بِحضرةِ أَبِي عَاصِمٍ: هذا الغلامُ يُنَاطِحُ الكِبَاشَ _يَعْنِي يقاومُ الشيوخَ_، وقالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيْدٍ: جالستُ الفُقَهَاءَ والزُّهَّادَ والعُبَّادَ فما رأيتُ مُنْذُ عَقِلْتُ مثلَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ، وهو في زمانِهِ كعُمَرَ في الصَّحابةِ، وعَنْ قُتَيْبَةَ أَيضاً قَالَ: لو كانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ في الصَّحابَةِ لكانَ آيَةً، وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوْسُفَ الهَمَدَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ فجاءَ رجلٌ شَعْرَانِيُّ يُقَالُ لهُ أَبُوْ يَعْقُوْبَ، فسألَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ فَقَالَ: يَا هؤلاءِ نظرتُ في الحديثِ، ونظرتُ في الرَّأْي، وجالستُ الفُقَهَاءَ والزُّهَّادَ والعُبَّادَ فما رأيتُ مُنْذُ عَقِلْتُ مثلَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: وسُئِلَ قُتَيْبَةُ عَنْ / طلاقِ [303/أ] السكرانِ، فدَخَلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ، فَقالَ قُتَيْبَةُ للسائلِ: هذا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وإِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوْيَهٍ، وعَلِيُّ بْنُ المَدِيْنِيِّ قد ساقَهَمُ اللهُ إليكَ، وأشارَ إلى البُخَارِيِّ.
          وقالَ أَبُوْ عَمْرٍو الْكَرْمَانِيُّ: حكيتُ لِمِهْيَارٍ بالبصرةِ عن قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: لقدَ رَحَلَ إِلَيَّ من شرقِ الْأَرْضِ وغَرْبِهَا فما رَحَلَ إِلَيَّ مثلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقالَ مِهْيَارٌ: صدقَ قُتَيْبَةُ أنَا رأيتُهُ مع يَحْيَى بْنِ مَعِيْنٍ، وهُمَا جَميعاً يختلفانِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ، فرأيتُ يَحْيَى مُنْقَادَاً لهُ في المَعْرِفَةِ، وقالَ إِبْرَاهِيْمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ: كانَ الرَّتُوْتُ من أَصْحَابِ الحديثِ مثلُ سَعِيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمٍ، وحَجَّاجِ بْنِ مِنْهَالٍ، وإِسْمَاعِيْلِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، والحُمَيْدِيِّ، ونُعَيْمِ بِنِ حَمَّادٍ، والْعَدَنِيِّ _يَعْنِي مُحَمَّدُ بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ_، والخَلَّالِ _يعني الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الحُلْوَانِيُّ_، ومُحَمَّدِ بْنِ مَيْمُوْنٍ هو الخَيَّاطُ، وإِبْرَاهِيْمِ بْنِ المُنْذِرِ، وأَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ العَلَاءِ، وأَبِي سَعِيْدٍ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وإِبْرَاهِيْمَ بْنِ مُوْسَى هو الفَرَّاءُ، وأمثالُهُمْ يقضونَ لِمُحَمَّدِ بْنِ إَسْمَاعِيْلَ البُخَارِي على أَنْفُسِهِمْ في النَّظَرِ والمَعْرِفَةِ.
          قلتُ: الرَّتُّوْتُ بالراءِ المهملةِ، والتاءِ المثناةِ من فوقُ، وبعدَ الواوِ مُثناةٌ أُخْرَى هم الرؤساءُ، قالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وغيرُهُ. وقالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: ما أخرجَتْ خُرَاسَانُ مثلَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ. رواهُ الخَطِيْبُ بسندٍ صحيحٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ أَبِيْهِ، ولَمَّا سَأَلَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ عَنْ الحُفَّاظِ فَقَالَ: شُبانٌ من خُراسانَ فَعَدَّهُ فِيهم فبدأَ بِهِ، وقالَ يَعْقُوْبُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيُّ ونُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الخُزَاعِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ فقيهُ هذهِ الأُمَّةِ، وقالَ بُنْدَارٌ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: هو أفقهُ خلقِ اللهِ في زَمَانِنَا. وقالَ الْفِرَبْرِيُّ: سمعتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِيْ حَاتِمٍ يقولُ: سمعتُ حَاسِدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ يقولُ: كنتُ بالبصرةِ فسمعتُ بقدومِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ، فلما قَدِمَ قالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ: دخلَ اليومَ سيدُ الفُقَهَاءِ.
          وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سمعتُ بُنْدَارَاً سنةَ ثَمَانٍ وعِشْرِيْنَ يقولُ: ما قَدِمَ عَلينا مثلَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ، وقالَ بُنْدَارٌ: أنا أفتخرُ بهِ مُنْذُ سنينَ. وقالَ مُوْسَى بْنُ قُرَيْشٍ: قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوْسُفَ التِّنِّيْسِيُّ لِلْبُخَارِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ انظرْ في كُتبي وأَخْبَرَنِي بِمَا فِيها من السقطِ، فَقَالَ: نعم، وقالَ البُخَارِيُّ: دخلتُ على الحُمَيْدِيِّ وأَنَا ابْنُ ثمانِ عشرةَ سنةً يَعْنِي أولَ سَنةِ حَجٍّ فإذا بينَهُ وبينَ آخرَ اخْتِلَافٌ في حديثٍ، فلما بَصُرَ بِيْ قَالَ: جَاءَ من يفصلُ بَيْنَنَا، فعَرَضَا عَلِيَّ الخصومَةَ فقضيتُ للحُمَيْديِّ، وكانَ الحقُّ معهُ، وقالَ البُخَارِيُّ: قالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ البَيْكَنْدِيُّ: انظرْ في كُتُبِي فما وجدتَ فيها من خطأ فاضربْ عَلَيْهِ، [303/ب] وقالَ له بعضُ أصحابِهِ: مَن هذا الفَتى؟ فَقَالَ: هذا الذي ليسَ مثلُهُ، وكانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ المذكورُ يقولُ: كلما دَخَلَ عَلِيَّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ: تحيَّرتُ، ولا أزالُ خَائِفَاً منهُ _يَعْنِي يَخْشَى أَنْ يُخْطِئَ بحضرتِهِ_، وقالَ سُلَيمُ بْنُ مُجَاهِدٍ: كنتُ عِنْدَ محمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ فَقالَ: لو جئتَ قبلَ لرأيتَ صَبِيَّاً يحفظُ سبعينَ ألفَ / حديثٍ.
          وقالَ حَاشِدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ: رأيتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهُوْيَهٍ جَالِسَاً على المنبرِ، والبُخَارِيُّ جَالِسٌ معهُ، وإِسْحَاقُ مُحَدِّثٌ، فمرَّ بحديثٍ فأنكرَهُ مُحَمَّدٌ، فرجعَ إِسْحَاقُ إلى قولِهِ، وقالَ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ الحديثِ انظرُوا إلى هذا الشابِ واكتُبُوْا عنهُ؛ فإنه لو كانَ في زمنِ الحَسَنِ بْنِ أَبِي الحَسَنِ البَصْرِيِّ لاحتاجَ إليهِ لمعرفتهِ بالحديثِ وفِقْهِهِ، وقالَ البُخَارِيُّ: أخذَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوْيَهٍ كِتَابَ ((التاريخِ)) الذي صنَّفتهُ، فأدخلَهُ على عَبْدِ اللهِ بْنِ طَاهِرٍ الأَمِيْرُ فَقَالَ: أيها الأميرُ ألا أريكَ سِحْرَاً؟ وقالَ أَبُوْ بَكْرِ المَدِيْنِيُّ: كُنَّا يَوماً عِنْدَ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهُوْيَهٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ حَاضِرٌ فَمَرَّ إِسْحَاقُ بحديثٍ ودَوَّنَ صَحَابيهُ عَطَاءُ الكِيْخَارَانِيُّ فَقالَ لهُ إِسْحَاقُ: يا أَبَا عَبْدَ اللهِ إِيْش هِيَ كِيْخَارَانُ؟ قَالَ: قريةٌ باليَمَنِ كانَ مُعَاوِيَةُ بعثَ هذا الرجلَ الصَّحَابِيَّ إلى اليمنِ فَسَمِعَ منهُ عَطَاءٌ هَذَا حديثَيْنِ، فَقالَ لهُ إِسْحَاقُ: يا أبَا عَبْدِ اللهِ كَأَنَّكَ شهدتَ القومَ، وقالَ البُخَارِيُّ: كنتُ عِنْدَ إِسْحَاقَ بِنَ رَاهُوْيَهٍ فسُئِلَ عَمَّنْ طلَّقَ نَاسِيَاً فسكَتَ طَوِيْلاً مُفَكِّرَاً، فقلتُ أَنَا: قالَ النَّبِيُّ صلعم: «إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ» وإنَّما يرادُ مباشرةَ هؤلاءِ الثلاثِ: العملُ والقلبُ، أو الْكَلَامُ والقلبُ، وهذا لم يعتقدْ بقلبهِ، فَقالَ لِي إِسْحَاقُ: قَوَّيْتَنِي قَوَّاكَ اللهُ، وأَفْتَى بِهِ.
          وقالَ أَبُوْ الفَضْلِ أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ النَّيْسَابُورِيُّ: حَدَّثَنِي فَتْحُ بْنُ نُوْحٍ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: أتيتُ عَلِيَّ بْنَ المَدِيْنِيِّ فرأيتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ جَالِساً عن يمينهِ، وكانَ إذا حدَّثَ التفتَ إليهِ مَهَابَةً لَهُ، وقالَ البُخَارِيُّ: ما استصغرتُ نَفْسِي عِنْدَ أحدٍ إِلَّا عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ المَدِيْنِيِّ. ورُبَّمَا كنتُ أغربُ عَلَيْهِ، قالَ حَامِدُ بْنُ أَحْمَدَ: فذكرتُ هذا الكلامَ لعَلِيِّ بْنِ المَدِيْنِيِّ، فَقالَ لِي: دَع قولَهُ هو ما رَأَى مثلَ نفسِهِ. وقالَ البُخَارِيُّ أَيضاً: كانَ عَلِيُّ بْنُ المَدِيْنِيِّ يَسألني عن شيوخِ خُراسانَ فكنتُ أذكرُ لهُ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَّامٍ فلا يعرفُهُ إلى أنْ قالَ لِي يَوماً: يا أَبَا عَبْدِ اللهِ كُلُّ من أثنيتَ عليهِ فَهُوَ عِندنا الرِّضَى، وقالَ البُخَارِيُّ: ذَاكَرَنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ بحديثٍ، فقلتُ: لا أعرفهُ، فَسُرُّوا بذلكَ، وصَاروا إلى عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، فقالُوا لَهُ: ذاكرنَا مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ بحديثٍ فلم يعرفْهُ، فَقالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حديثٌ لا يعرفُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ ليسَ بحديثٍ، وقالَ أَبُوْ عَمْرٍو الْكَرْمَانِيُّ: سمعتُ عَمْرَو بْنَ عَلِيٍّ الْفَلَّاسَ يقولُ: [304/أ] صَديقي أَبُوْ عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ ليسَ بِخُراسانَ مثلهُ.
          وقالَ رَجَاءُ بْنُ مُرَجَّا الحَافِظُ: فضلُ مُحَمَّدِ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ على العلماءِ كفضلِ الرِّجَالِ على النِّسَاءِ. وقالَ: أَيضاً هو آيةٌ من آيَاتِ اللهِ تمشِي على ظهرِ الْأَرْضِ، وقالَ الحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ: لا أعلمُ أَنِّي رأيتُ مثل مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ، كأنه لم يُخْلَقْ إِلَّا للحديثِ. وقالَ أَحْمَدُ بْنُ الضَّوْءِ: سمعتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ، ومُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ يقولانِ: مَا رَأَيْنَا مثلَ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ، وكانَ أَبُوْ بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ يُسميهِ البَازِلُ _يَعْنِي الكامِلُ_. وقالَ أَبُوْ عِيْسَى التِّرْمذِيُّ: كانَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُنِيْرٍ فَقالَ لهُ لما قامَ: يا أَبَا عَبْدِ اللهِ جَعَلَكَ اللهُ زينَ هذهِ الأُمَّةِ، قالَ أَبُوْ عِيْسَى: فاستجابَ اللهُ لهُ فيهِ، وقالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ الفِرَبْرِيُّ: رأيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُنِيْرٍ يكتبُ عَنْ البُخَارِيِّ / وسمعتهُ يقولُ: أَنَا من تلامذتهِ.
          قلتُ: عَبْدُ اللهِ بْنُ مُنِيْرٍ من شيوخِ البُخَارِيِّ قد حدَّثَ عنه في ((الْجَامِعِ الصَّحِيحِ))، وقالَ: لم أرَ مثلَهُ، وَكانتْ وَفَاتُهُ سنةَ ماتَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِيْ حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سمعتُ يَحْيَى بْنَ جَعْفَرٍ البَيْكَنْدِيَّ يقولُ: لو قدرتُ أن أزيدَ من عُمُرِي في عُمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ لفعلتُ؛ فإنَّ مَوْتِي يكونُ موتَ رجلٌ واحِدٍ، وموتُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ فيهِ ذهابُ العلمِ، وقالَ أَيضاً: سمعتهُ يقولُ لهُ: لولا أنتَ ما استطبتُ العيشَ بِبُخَارَى، وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ إِمْامٌ، فمَنْ لم يجعلْهُ إِماماً فاتَّهَمَهُ.
          وقالَ أَيضاً: حفاظُ زَمَانِنَا ثلاثةٌ، فبدأَ بالبُخَارِيِّ، وقالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ: أخرجَتْ خُراسانُ ثلاثةً: البُخَارِيُّ، فبدأَ بِهِ، قَالَ: وهو أبصرَهُمْ وأَعلَمَهُم بالحديثِ وأَفقهُهُم، قَالَ: ولا أعلمُ أحداً مثلَهُ. وقالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرْمَارِيُّ: مَن أرادَ أن ينظرَ إلى فقيهٍ بحقِّهِ وصِدْقِهِ فلينظرْ إلى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ.
          وقالَ حَاسِدٌ: رأيتُ عَمْرَو بْنَ زُرَارَةَ، ومُحَمَّدَ بْنَ رَافِعٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ وهُمَا يسألانهِ عَنْ عِلَلِ الحديثِ، فلمَّا قَامَا قَالا لمن حضرَ المجلسَ: لا تخْدَعوا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ فإنه أفقهُ مِنَّا وأعلمُ وأبصَرُ.
          قَالَ: وكُنَّا يَوماً عِنْدَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهُوْيَهٍ، وعَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ، وهو يَسْتَمْلِي على أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وأصحابُ الحديثِ يكتبونَ عنهُ، وإِسْحَاقُ يقولُ: هو أبصرُ مِنِّي، وكانَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ إِذْ ذاكَ شاباً. وقالَ الحَافِظُ أَبُوْ بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الفَرْهَيَانِيُّ قالَ: حضرتُ مجلسَ ابْنِ أَشْكَابٍ فجاءَهُ رجلٌ ذكرَ اسمهُ من الْحُفَّاظِ، فَقَالَ: مَا لَنَا بِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ طَاقَةٌ، فقامَ ابْنُ أَشْكَابٍ وتركَ المجلسَ غضباً من التكلمِ في حقِّ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ، وقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيْدِ بْنِ جَعْفَرٍ: لما ماتَ [304/ب] أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ النَّيْسَابُورِيُّ ركبَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوْيَهٍ ومُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيْلَ يُشيِّعانِ جَنَازَتَهُ، وكنتُ أسمعُ أهلَ المَعْرِفَةِ ينظرونَ ويقولونَ: مُحَمَّدُ أفقهُ من إِسْحَاقَ.