البخاري أضواء على حياته وجامعه

الشوق إلى لقاء الله

          الدعاء الأخير
          شيء يؤرِّق مقلةَ الشَّيخ قبل الرَّحيل... إنه الشوق إلى الله، إلى دار خلده وبقائه، وقد ضافت الدنيا في عينيه، وتطلع إلى دار أرحب منها، وعالَم يحظى بالسعادة فيه، فانطلق يدعو ربه ويتضرع إليه بالإجابة: (اللهم قد ضاقت عليَّ الأرض بما رحبت فاقبضني إليك).
          إنَّه يعلم أنه مستجاب الدعوة، ولكن متى سيودِّع الدنيا الوداع الأخير، فليجب دعوة أهل سمرقند، وليتأهَّب للمسير، فالمدينة مدَّت إليه ذراعها، وفتحت قلبها.
          في الخالدين
          لبس البخاريُّ خفيَّه وتعمَّم، وسار أهل خرتنك يودِّعونه الوداع الأخير، فقد أُعدَّت مطيته، ومشي إليها عشرين خطوة ثم وقع على الأرض قائلاً: أرسلوني لقد ضعفت، فأرسلوه فدعا بدعوات، ثم اضطجع بعدها، ووصَّى أن يكفَّن بثلاثة أثواب / ليس فيها قميص ولا عمامة، ثم غربت شمس أمير المؤمنين في الحديث في خرتنك ليلة عيد الفطر.
          لقد قضى شهيد الدَّعوة بعيداً عن بلده، وخيَّم الحزن في خرتنك أكثر ما يكون بعد صلاة ظهر يوم عيد الفطر عام (256هـ) حيث دُفن الإمام في المكان الذي سقط فيه شهيداً بين بساتين خرتنك وربوعها الجميلة، مات عن اثنين وستين عاماً، ولم يخلِّف ولداً ذكراً، ودُفن في ضاحية خرتنك.
          وتقع الآن في جمهورية أوزبكستان في ظلِّ الحكم الروسي بين بساتينها الغنَّاء وريفها الجميل، وبجانب ضريحه مسجدٌ جميل يؤمُّه النَّاس.