تراجم البخاري

باب تفسير ترك الخطبة

          ░46▒ بَابُ تَفْسِيرِ تَرْكِ الْخِطْبَةِ
          ظنَّ بعضهم أنَّ هذا من باب النَّهي عن خطبة الرَّجل على خطبة أخيه، وقال: لأنَّ أبا بكر متحقِّقٌ أنَّ عمر يحبُّ النَّبيَّ صلعم ويؤثره على غيره بالإجابة وإنْ لم يكن علمه، وقال غيره: لأنَّه إذا امتنع من الخطبة مع عدم علم الولي بالخاطب فمع علمه أَوْلَى بالمنع.
          وعندي أنَّ مراد البخاري مطابقة الحديث للترجمة، والاعتذار عن ترك إجابة الولي إذا خطب رجلاً على وليته لما في ذلك من أَلَمِ عارِ الردِّ على الولي وانكسار القلب وقلة الحرمة، بخلاف ردِّ الخاطب على نفسه أو لغيره؛ لأنَّ العادة جاريةٌ بخطبة الرَّجل على نفسه وعلى غيره غالباً فلا يحصل الخجل بالرَّدِّ بخلاف الولي إذا خطب على موليته ورُدَّ بأنَّ العار فيه والخجل أشدُّ، فينبغي أنْ يبيِّن المخطوب عذره في عدم قبول خطبة الولي دفعاً للوحشة في القلوب، وجبراً للخجل الحاصل بذلك. والله أعلم(1). [خ¦67/46-7624]


[1] قال الحافظ ابن حجر: قال ابن بطال: ما ملخصه تقدم في الباب الذي قبله تفسير ترك الخطبة صريحاً في قوله: (حتى ينكح أو يترك)، وحديث عمر في قصة حفصة لا يظهر منه تفسير ترك الخطبة؛ لأنَّ عمر لم يكن علم أنَّ النبي صلعم خطب حفصة، قال: ولكنَّه قصد معنىً دقيقاً يدلُّ على ثقوب ذهنه ورسوخه في الاستنباط، وذلك أنَّ أبا بكر علم أنَّ النبي صلعم إذا خطب إلى عمر أنَّه لا يرده بل يرغب فيه ويشكر الله على ما أنعم الله عليه به من ذلك، فقام علم أبي بكر بهذا الحال مقام الركون والتراضي، فكأنَّه يقول: كلُّ من علم أنَّه لا يصرف إذا خطب لا ينبغي لأحدٍ أنْ يخطب على خطبته. وقال ابن المنير: الذي يظهر لي أنَّ البخاري أراد أنْ يحقِّقَ امتناع الخطبة على الخطبة مطلقاً؛ لأنَّ أبا بكر امتنع ولم يكنْ انبرم الأمر بين الخاطب والولي، فكيفَ لو انْبَرَمَ وتَرَاكَنَا فكأنَّه استدلال منه بالأَوْلَى. قلتُ: وما أبداه ابن بطال أدقُّ وأَوْلَى. والله أعلم. فتح الباري (9/252).