نفحة المسك الداري لقارئ صحيح البخاري

التعريف بنسخة ابن سعادة

وَأَسْنَاهُ مَا بِالغَرْبِ طَلْعَةُ شَمْسِهِ                     وَآسُهُ فِي أَرْجَائِهِ يُتَنَسَّمُ
عَنِ ابْنِ سَعَادَةَ الَّذِي لَهُ نُسْخَةٌ                     بِهَا كُلُّ قُرَّاءِ البُخَارِي تَرَنَّمُوا
          قال أبو البركات سيِّدي عبد القادر الفاسيُّ: رواية ابن سعادة هي أفضل من الروايات التي عند ابن حجر، وأنَّ ابن حجر لم يعثر عليها، وهي المعتبرة عندنا بالمغرب، وهي مسلسلةٌ بالمالكيَّة، وسيأتي الكلام عن هذه النسخة المباركة.
وَمَنْ غَضَّ مِنْ رِوَايَةٍ لَهُ زَاعِمًا                     بِأَنَّهَا وِجَادَةٌ فَقَطْ لَا يُكَلَّمُ
لِخَرْقِهِ لِلإِجْمَاعِ مِنْ أَهْلِ مَغْرِبٍ                     وَأَنْدَلُسٍ، وَالحَقُّ لَا يَتَلَثَّمُ
          حدَّث العلَّامة سيِّدي الصغير الأفرانيُّ المراكشيُّ عن شيخه العلَّامة أبي عبد الله المسناويِّ: أنَّ الشيخ أبا مروان السجلماسيَّ كان ينكر ولوع أهل المغرب برواية ابن سعادة في «صحيح البخاريِّ»، ويعجب من تلقِّيهم إيَّاها بالقبول، مع أنَّ رواية ابن سعادة من قبيل الوجادة التي هي أضعف أنواع التحمُّل عند المحدِّثين، وذلك أنَّ نسخة الجامع الصحيح صارت إليه من أبي عليٍّ الصدفيِّ؛ لصهرٍ كان بينهما، وكانت بخطِّ أبي عليٍّ نهايةً في الصحَّة والضبط، فحدَّث بها ابن سعادة من غير إجازةٍ ولا سماعٍ، وكان أبو مروان / تحمَّل عن أبي إسحاق الشهرزوريِّ بطيبة المنوَّرة على ساكنها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ولم يهتبل برواية المغاربة، وادَّعى أنَّ المغرب شاغرٌ من صحيح الروايات. وقد أنكر عليه ذلك شيوخ العصر، وحقَّ لهم إنكاره، فإنَّ تواريخ الأندلسيِّين ناطقةٌ ببطلان دعواه، وأنَّ ابن سعادة المذكور سمع الصحيح قراءةً على أبي عليٍّ وأجازه فيه.
          أقول: قوله: برواية ابن سعادة؛ يريد: محمَّد بن يوسف، وقوله: وكانت بخطِّ أبي عليٍّ، فيه نظرٌ، بل بخطِّ عمِّه موسى بن سعادة.
          قال في «نفح الطيب»: ومنهم أبو عمران موسى بن سعادة، مولى سعيد بن نصر، من أهل مرسية، سمع صهره أبا عليِّ بن سكرة الصدفيَّ، وكانت بنته عند أبي عليٍّ، ولازمه وأكثر عنه، وروى عن أبي محمَّد بن مفوز الشاطبيِّ، وأبي الحسن بن شفيع، وقرأ عليهما «الموطَّأ»، ورحل وحجَّ، وسمع السنن من الطرطوشيِّ، وعني بالرواية، واستنسخ صحيح البخاريِّ ومسلمٍ بخطِّه، وسمعهما على صهره أبي عليٍّ، وكانا أصلين لا يوجد في الصحَّة مثلهما.
          حكى الفقيه أبو محمَّد عاشر بن محمَّد: أنهما سمعاهما على أبي عليٍّ نحو ستِّين مرَّةً، وكانت له مشاركةٌ في العلم واللُّغة والأدب، ثمَّ ورث ذلك ولد أخيه أبو عبد الله محمَّد بن يوسف بن سعادة الذي اعتمدت المغاربة روايته عن أبي عليٍّ بدون واسطة عمِّه، وكتب الصدفيُّ بخطِّه الإجازة له على ظهر النسخة.
          قال في «نفح الطيب»: ومنهم أبو عبد الله محمَّد بن يوسف بن سعادة، مرسيٌّ، سكن شاطبة ودار سلفه ببلنسية، سمع أبا عليٍّ الصدفيَّ واختصَّ به وأخذ عنه، وإليه صارت دواوينه وأصوله العتاق، وأمَّهات كتبه الصحاح لصهرٍ كان بينهما، وسيأتي تمام تعريفه إن شاء الله.