نفحة المسك الداري لقارئ صحيح البخاري

السبب الباعث له على تصنيف جامعه وحسن نيته فيه

رَأَى فِي مَنَامٍ أَنَّهُ عَنْ نَبِيِّنَا                     يَذُبُّ فَكَانَ مَا أَتَى بِهِ يَحْكُمُ
          قال في «المقدِّمة»: روينا بالإسناد الثابت عن محمَّد بن سليمان بن فارس قال: سمعت البخاريَّ يقول: رأيت النبيَّ صلعم وكأنِّي واقفٌ بين يديه وبيدي مروحةٌ أذبُّ عنه، فسألت بعض المعبِّرين، فقال لي: أنت تذبُّ عنه الكذب؛ فهو الذي حملني على إخراج الجامع الصحيح.
          وقال بسنده إلى البخاريِّ: كنَّا عند إسحاق ابن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنَّة النبيِّ صلعم، / قال: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع «الجامع الصحيح».
          قال: وقال الحافظ أبو ذرٍّ الهرويُّ: سمعت أبا الهيثم محمَّد بن مكيٍّ الكشميهنيَّ يقول: سمعت محمَّد بن يوسف الفربريَّ يقول: قال البخاريُّ: ما كتبت في كتابي «الجامع الصحيح» حديثًا إلَّا اغتسلت قبل ذلك، وصلَّيت ركعتين.
          قال: وقال أبو جعفر محمَّد بن عمرٍو العقيليُّ: لمَّا ألَّف البخاريُّ «كتاب الصحيح»؛ عرضه على أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين وعليِّ بن المدينيِّ وغيرهم، فاستحسنوا ذلك، وشهدوا له بالصحَّة إلَّا في أربعةِ أحاديث، قال العقيليُّ: والقول فيها قول البخاريِّ، وهي صحيحةٌ.
كِتَابُ رَسُولِ اللهِ يَا مَا أَجَلَّهُ          !           كَأَنَّهُ فِيهِ مُلْهَمٌ وَمُكَلَّمُ
          قال في «المقدِّمة» بسنده إلى أبي زيد المروزيِّ: كنت نائمًا بين الركن والمقام، فرأيت النبيَّ صلعم في المنام، فقال لي: «يا أبا زيدٍ؛ إلى متى تدرِّس كتابَ الشافعيِّ ولا تدرِّس كتابي؟» فقلت: يا رسول الله؛ وما كتابك؟ قال: «جامع محمَّد بن إسماعيل».
          قال في «المقدِّمة»: وقال قتيبة بن سعيد: جالست الفقهاء والزُّهَّاد والعبَّاد ما رأيت منذ عقلت مثل محمَّد بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمرَ في الصحابة، وعن قتيبة أيضًا: لو كان محمَّد بن إسماعيل في الصحابة؛ لكان آيةً.
          وفي الحديث: «إن يكن في أمَّتي محدِّثون، فعمرُ منهم».
كِتَابٌ بِهِ يُسْتَنْزَلُ القَطْرُ كَاشِفٌ                     غُمُومًا بهِ يَهْذُو فَصِيحٌ وَأَعْجَمُ
          قيل من قصيدةٍ في مدح البخاريِّ:
من فضله في الناس بحرٌ قد طما                     وعرائس تجلَّى وغيثٌ قد طفح
وكتابه كالغيث يُستشفَى به                     فسواه في كرباتنا لم يستمح
          وحُكِيَ أنَّه لمَّا جاء التتار؛ ورد مرسوم السلطان إلى القاهرة _بعد خروجه منها_ للقائم على أهل مصر أن يجتمع العلماء، ويقرؤوا البخاريَّ، قال الحاكي: فقرأنا البخاريَّ إلى أن بقي ميعادٌ، فأخَّرناه لنختم يوم الجمعة، فلمَّا كان يوم الجمعة؛ رأينا الشيخ تقيَّ الدين ابن دقيقٍ العيد في الجامع فقال: ما فعلتم ببخاريِّكم؟ فقلنا: بقي ميعادٌ أخَّرناه لنختمه اليوم، / فقال: انفصل الحال مِن عصر الأمس، وبات المسلمون على كذا وكذا. فقلنا: نخبر عنك؟ فقال: نعم؛ فجاء الخبر بعد أيَّامٍ بذلك.
          وفي «المقدِّمة» عن ابن أبي جمرة قال: قال لي مَن لقيته من العارفين عمَّن لقي من السادة المقَرُّ لهم بالفضل: إنَّ صحيح البخاريِّ ما قرئ في شدَّةٍ إلَّا فرجت، ولا ركب به في مركب فغرق، وكان مجاب الدعوة، وقد دعا لقارئه، ولله دَرُّ من قال:
صحيح البخاريِّ واظب على                     قراءته واروه في المشاهد
فذاك المجرَّب ترياقه                     لدفع سموم أفاعي الشدائد