الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}

          ░46▒ إشارةٌ: قولُه: (وَقَالَ مَعْمَرٌ: {ذَلِكَ الْكِتَابُ}[البقرة:2]: هَذَا القُرْآنُ): قد فُسِّرَ {ذَلِكَ} بـ(هذا)، و(ذلك) ممَّا يُخبَرُ به عنِ الغائبِ، و(هذا) إشارةٌ إلى الحاضرِ، و{الْكِتَابُ} حاضرٌ، وأيَّدَهُ البخاريُّ بقولِهِ تعالى: {وَجَرَيْنَ بِهِم}[يس:41]، فلمَّا جازَ أنْ يُخبَرَ عنهم بضميرينِ مختلفَينِ؛ ضميرِ المخاطَبِ، وضميرِ الخبرِ عنِ الغَيبةِ؛ فكذلكَ أَخبَرَ بضميرِ الغائبِ بقولِهِ: {ذَلِكَ}، وهو يريدُ هذا الحاضرَ، قاله الزركشيُّ.
          اعلمْ أنَّ الكلامَ على (ذلكَ) معروفٌ، وهل (ذا) ثلاثيُّ الوضعِ، أم أَصْلُهُ حرفٌ واحدٌ؟ وإنَّما جيء هنا بإشارةِ البعيدِ؛ تعظيمًا للمشارِ إليه، أو لأنَّه لمَّا نزلَ مِنَ السماءِ إلى الأرضِ؛ أُشيرَ إليه بإشارةِ البعيدِ، أو لأنَّه كانَ موعودًا به صلعم، أو أنَّه أشيرَ به إلى ما قضاهُ وقدَّرَهُ في اللَّوحِ المحفوظِ، وفي عبارةِ المفسِّرينَ: (أُشيرَ بـ{ذَلِكَ} للغائبِ) يعنونَ: البعيدَ، وإلَّا؛ فالمشارُ إليه لا يكونُ إلَّا حاضرًا ذهنًا أو حِسًّا، فعبَّروا عنِ الحاضرِ ذِهْنًا بالغائبِ، أي: حِسًّا، وتحريرُ القولِ ما ذكرتُهُ، قاله في «الدر المصون». /