المتواري على أبواب البخاري

باب جوار أبي بكر في عهد النبي وعقده

          ░4▒ باب جوار أبي بكر في عهد النبي(1) صلعم وعقده
          355- فيه عائشة: «لم أعقل أبوي إلا وهما يُدينان الدِّين، ولم يَمرَّ علينا يوم إلا يأتينا فيه النبي صلعم طرفي النهار بكرة وعشية، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً قِبَل الحبشة، حتى بلغ بَرْكَ الغِماد، لقيه(2) ابن الدَّغِنَة _وهو سيد القارَة_ فقال: أين تريد؟ قال أبو بكر: أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد / ربي، قال ابن الدَّغِنَة: إن مثلك لا يَخرج ولا يُخرج، فإنَّك تَكسب المعدوم وتَصل الرحم وتحمل الكلَّ وتَقري الضيف وتُعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلادك، فرجع ابن الدَّغِنَة مع أبي بكر، فطاف في أشراف (كفار) قريش، (فقال لهم: إنَّ أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكلَّ ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق!) فأنفذت قريش جوار ابن الدَّغِنَة وأمَّنوا أبا بكر، وقالوا(3) له: مر أبا بكر أن يعبد ربه في داره فليُصلِّ وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنَّا قد خشينا أن يَفتِنَ أبناءنا ونساءنا، فقال ذلك ابن الدَّغِنَة لأبي بكر، فطفق (أبو بكر) يعبد ربه في داره ولا يستعلن بالصلاة ولا بالقراءة(4)، ثم بدا(5) لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره وبرز، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فتتقصَّف عليه نساء المشركين وأبناءهم يعجبون وينظرون، وكان أبو(6) بكر (رجلاً) بكَّاءً لا يملكُ دَمْعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش، (فأرسلوا إلى ابن الدَّغِنَة فقدم عليهم) فقالوا(7): إنا كنا أَجَرْنا أبا بكر (على) أن يعبد ربه في داره، (وإنه جاوز ذلك وابتنى مسجداً بفناء داره، فأعلن الصلاة والقراءة، وقد خشينا أن يَفْتِن أبناءنا ونساءنا، فإنه إن أحب أن يقتصر على)(8) أن يعبد(9) ربه في داره فعل، وإن أبى (إلا أن يعلن ذلك) فاسأله(10) أن يرد إليك ذمتك، فإنَّا كرهنا أنْ نخفرك، ولسنا مُقرِّين (لأبي بكر) الاستعلان، فأتاه ابن الدَّغِنَة فقال: قد علمت الذي عقدت لك، فإما أن تقتصر عليه وإما (أن تردَّ)(11) عليَّ ذمَّتي، فإنِّي لا أحبُّ أنْ تسمع العرب أنِّي أُخْفِرت في رجل عقدت له، قال أبو بكر: فإنِّي أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله، والنبي يومئذ بمكة، فقال النبي صلعم : قد أُريت دار هجرتكم، فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجراً، فقال النبي صلعم : على رسلك، فإني أرجو أن يُؤذن لي، فحبس أبو بكر نفسه على النبي صلعم ، وعلف راحلتين كانتا عنده أربعة أشهر». [خ¦2297].
          [قلتَ رضي الله عنك:] أدخل هذا الباب في الكفالة، وينبغي أن يناسب كفالة الأبدان كما ناسب: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} كفالة الأموال، ووجه المناسبة أن المجير كان يكفل(12) للمُجَار أن لا يضام من جهة من أجاره منهم وضمن / لمن أجاره عمن أجاره [منه] أن لا يؤذيه فتكون العهدة عليه، والله أعلم.


[1] في (ع): «الرسول».
[2] في (ع): «ولقيه».
[3] في (ت): «وقال».
[4] في (ت) و(ع): «ولا القراءة».
[5] في (ع): «بدأ».
[6] في (ت): «أبا».
[7] في (ت) و(ع): «فقالوا لابن الدَّغِنَة».
[8] ليست في (ع) ولا في (ت)، وموجود بدلاً منها: «وفعل كذا».
[9] في (ت) و(ع): «فإن أحب أن يعبد».
[10] في (ت): «فسله».
[11] ليست في (ع).
[12] في (ت): «كأنه تكفل».