مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الذال مع الواو

          الذَّال مع الوَاو
          771- قوله في الدَّجَّال: «ذابَ كما يَذوبُ الملحُ _وقوله:_ ولو ترَكه لانْذَابَ»؛ أي: انحلَّ وسال وتلاشَى وذهَب.
          وقوله: «أبعَدَ المَذْهَب» يعني: مَوضِعَ قَضاءِ الحاجَةِ، هو المذهَبُ، والخلاءُ، والمَرْفِقُ، والكنيفُ، والمِرحاضُ، والبَرَازُ، والغائطُ(1)، ومنه قول مالكٍ في تأويل النَّهي عن الجُلوسِ على المَقابرِ: «أي ذلك للمذاهب»؛ أي: تُتخَذ مَذهباً.
          وقوله: «ليس بالطَّويلِ الذَّاهب»؛ أي: المُفرِط في طوله، كما قال: «البائن». [خ¦3548]
          772- و«الذَّوْدُ» من الإبلِ ما بين الثَّلاث إلى التِّسعِ، وإنَّ ذلك يختَصُّ بالإناثِ، قاله أبو عُبيدٍ، وقال الأصمعيُّ: ما بين الثَّلاث إلى العَشرِ، وقال غيرُ واحدٍ: ومُقتَضى لفظ الأحاديثِ انطلاقُه على الواحدِ، وليس فيه دليلٌ على ما قالوا، وإنما هو لفظٌ للجَميعِ، كما قالوا: ثلاثة رَهْطٍ ونَفَرٍ ونِسْوةٍ، ولم يقولوه لواحدٍ منها، وذكر ابنُ عبدِ البَرِّ: أنَّ بعضَ الشُّيوخ رواه: «في خمسٍ ذَودٍ» على البَدلِ لا على الإضافةِ، وهذا إن تصوِّر له هاهنا فلا يُتصَوَّر في قوله: «أعطانا خمسَ ذَودٍ». [خ¦5518]
          وفي «باب ليس فيما دون خمسة أوسُقٍ صدَقة»: قوله: «ولا في أقلَّ مِن خَمسَةٍ منَ الإبلِ الذَّوْدِ صَدَقَةٌ» [خ¦1484]، كذا لكافَّتهِم، وسقَط «الذَّود» عند المُستَملي، وذكَره غيرُ المُستَملي، وهذا على البَدلِ نحو ما ذكر أبو عُمرَ، وكان في كتاب الأصيليِّ هنا: «ليس فيما دون خمس ذود» ثمَّ غيَّره بما تقدَّم، وقال: كذا لأبي زَيدٍ.
          قوله: «فلَيُذَادَنَّ رِجالٌ»؛ أي: يُطرَدون، / كذا رواه أكثر الرُّواة عن مالكٍ في «الموطَّأ»، وروَاه يحيى ومُطرِّف وابنُ نافعٍ: «فلا يُذَادنَّ»، وردَّه ابنُ وضَّاحٍ على الرِّوايةِ الأولى، وكلاهُما صحيحُ المعنَى، والنَّافية أفصَح وأعرَف، ومعناه: فلا تفعَلُوا فعلاً يوجِب ذلك، كما قال: «فلا أُلفِيَنَّ أحدَكُم على رقَبَتهِ بَعِيرٌ» [خ¦3073]؛ أي: لا تفعلوا ما يُوجِبُ ذلك، ومنه قوله: «لا أُلفِيَنَّك تأتي القومَ فتُحَدِّثهم فتُمِلَّهم» [خ¦6337]؛ أي: لا تَفْعَل ذلك فأجِدُك كذا، ولا يجوز هنا قصرُ اللَّام؛ لأنَّ الخبرَ هنا لا يصِحُّ، والحديثان المتقدِّمان يصِحُّ فيهما الخبرُ والنَّهيُ.
          773- (ذو) و(ذي) و(ذا) و(ذات) قال الزُّبيدي: أصلُ ذو ذوو؛ لأنَّهم قالوا في التَّثنِيَة: ذَوَا، وذكَره في ترجَمةِ اللَّفيف بالياء والواو، وذو تُضاف إلى الأجناسِ دون غَيرِها، ولا تُثنَّى عند أكثَرِهم ولا تجمَع ولا تُضاف إلى مُضمَرٍ ولا صِفةٍ ولا فعلٍ ولا اسمٍ مُفردٍ ولا مُضافٍ؛ لأنَّها نَفسها لا تَنفكّ عن الإضافةِ، وإن جاءَت مُفردَةً أو بالألفِ واللَّامِ أو مجمُوعَةً فشَاذَّةٌ، كقوله: الذَّوِينَا والأذواء لرُؤساء اليَمنِ ممَّن اسمه ذو، كذي نُواسٍ، وذي فائشٍ.
          وفي الحديثِ: «أمَّا ذَوُو رَأْيِنَا» وهذا جمعٌ، وقد أجاز بعضُهم على هذا، ذَوُو مالٍ، وذَوَا مالٍ، وذَوُون.
          وعند الأصيليِّ في «باب الرِّكاب والغَرزِ»: «أَهلَّ من عندِ ذي مَسجِد ذي الحُلَيفة» [خ¦2865]، وهذه مُضافَة إلى مُفردٍ.
          وفي كتابِ مُسلمٍ : «وأَعْطاني من كلِّ ذي رائحةٍ زوجاً» وهذه إضافَةٌ إلى صِفَة، ووجهُه أنَّه من ذلك الشَّاذِّ، كذي يَزَنٍ، وذي جَدَنٍ، أو بمعنَى «الذي» هو كقولهم: افعل بذي تَسلَم؛ أي: بالذي تسلَم، أو بسَلامَتِك، أو بالذي هي سَلامَتُك، أو ولك السَّلامة، هذه الوُجوه التي وجَّهوا بها هذا اللَّفظَ، وكلُّه راجع إلى أنَّه دُعاءٌ له، وهو شاذٌّ أيضاً، أو تكون ذي صلةً ودعماً للكلامِ، كقولهم: / ذات يوم، وذات ليلة، وقد ترجِع إلى نَحوِ ما قُلنَاه منَ التَّأويلِ.
          جاء في الحديثِ: «ذو بطنِ بنتِ خارِجَةَ»؛ أي: صاحبُ بَطنِها، يريد الحملَ.
          وقوله: «ويَرمِي جَمرةَ ذاتِ العَقَبةِ من بَطنِ الوَادِي» [خ¦1751]؛ أي: الجمرة التي تضاف إلى العَقبَةِ، كما قال في الحديثِ الأخرِ: «التي عِندَ العَقَبةِ» [خ¦1753]، وقوله: «إن تَقتُل تَقتُل ذا دَمٍ» [خ¦4372]؛ أي: صاحِب دمٍ يَستشفي به قاتلُه، ويُدرِك ثأرَه، ولم يُرِد به الجِنسَ.
          وقوله لعَليٍّ: «وإنَّك ذو قَرنَيها»؛ أي: صاحبُ قَرنَيها، قيل: يريد قَرني الجنَّةِ؛ أي: طرَفَيها، وقيل: «ذو قَرْنَيها»: ذو قَرنَي هذه الأُمَّة؛ أي: إنَّك فيها كذي القَرنَين في أمَّتِه، ودعائه لهم، وأنَّه فيما ذُكِر ضُرِب على قَرنَي رَأسِه، وقيل معناه: كَبْشُها وفارِسُها، وقيل معناه: إنَّك مَضرُوب هذه الأمَّة بقَرنَي رَأسِه.
          وقوله: «وتصِلُ ذا رَحِمِكَ»؛ أي: صاحب رحِمِك ومُشارِكِك فيه، وهو من الجائزِ على ما قدَّمناه.
          وتكون الإضافة في هذا كلِّه على تقدير الانفصال، وذو في هذا البابِ كلِّه بمعنى صاحب كذا، أو الَّذي له كذا، أو الَّذي شَأنه كذا.


[1] في هامش (ن): (والحُشُّ، والمَراح، والمُتَوَضَأ، والمَبْرَز، والمُفْضَى، والكِرْناس والكرياس).