الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: قالت عائشة في حديثها: أقبل أبو بكر

          14- الثَّامن: في ذكر وفاة النَّبيِّ صلعم: عن عائشة وعن ابن عبَّاسٍ _من رواية أبي سلمة بن عبد الرَّحمن عنهما_ قالت عائشة في حديثها: «أقبل أبو بكرٍ على فرسٍ من مسكنه بالسُّنْحِ(1) حتَّى نزل فدخل المسجدَ، فلم يكلِّمِ النَّاس حتَّى دخل على عائشة، فبَصُر برسول الله صلعم وهو مُسَجَّىً(2) ببُردةٍ فكشف عن وجهه وأكبَّ عليه،(3) فقبَّله ثمَّ بكى، فقال: بأبي أنت وأمِّي يا نبيَّ الله، لا يجمعُ الله عليكَ موتتين، أمَّا الموتةُ الَّتي كُتبت عليك فقد مُتَّها». [خ¦1241]
          قال أبو سلمة: فأخبرني ابنُ عباسٍ أنَّ أبا بكرٍ خرج وعمر يكلِّم النَّاس، فقال: اجلس فأبى، فقال: اجلس فأبى، فتشهَّد أبو بكرٍ فمالَ إليه النَّاس وتركوا عمر، فقال: أمَّا بعد؛ فمن كان منكم(4) يعبد محمَّداً فإنَّ محمَّداً صلعم قد مات، ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت، قال الله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ...} إلى {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144] قال: والله لَكأنَّ النَّاس لم يكونوا يعلمون أنَّ الله أنزل هذه الآية حتَّى تلاها أبو بكرٍ، فتلقَّاها منه النَّاس، فما يُسمَعُ بشرٌ إلَّا يتلوها (5). [خ¦1242]


[1] السُّنْح: ناحية من نواحي المدينة.وفي هامش (ابن الصلاح): (ي: مكان بعالية المدينة).
[2] وقال الكسائي والفراء وغيرهما من النحويين: معناه: الله أكبرُ من كلِّ شيءٍ، فَحُذِفَت من وصِلتُها؛ لأنَّ أفعل خبرٌ، كما تقول: أبوك أفضلُ وفلانٌ أعقلُ، أي: أفضلُ وأعقلُ من غيرِه؛ لأنَّ الخبرَ يدلُّ على أشياءَ غير موجودةٍ في اللفظِ، وذلك معروفٌ غير منكرٍ، ألا ترى أنَّك إذا قلت: أخوكَ قامَ دلَّ قولُك قامَ على مصدرٍ وزمانٍ ومكانٍ وشرطٍ وهو العرضُ، كقولِك أخوكَ قامَ قياماً يومَ الخميسِ في الدارِ لكي تحسنَ؛ لأن هذه المعاني لا بد منها في هذا الخبرِ، فهي مُسْتَكِنَّةٌ فيه، والاسم لا يمكنُ هذا فيه ولا يحذفُ منه شيء فيدلُّ عليه، وقد روي عن ابن عباس في معنى قوله: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أي: على المخلوقِ، أي: أنَّ الإعادةَ أهونُ على المخلوقِ من الابتداءِ، وذلك أنَّ الابتداءَ في هذه الدَّارِ يكون فيه نطفةً ثم علقةً ثم مضغةً، والإعادةُ تكونُ بـ{أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] ، وقيل: معناه أن الإعادةَ أهونُ على الله من الابتداء في ما يظنونَ، وليس كذلك، لأنه تعالى ليس شيء أهون عليهِ من شيءٍ، {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم:27] وهو انفرادُه بالإلهيةِ والاختراعِ.
وكان لأبي العباسِ ثعلبٍ اختيارٌ في النُّطقِ بأولِ الأذان فكان يقول: الله أكبرَ الله أكبر بفتح الراء في الأولى، وقال: إن الأذان إنَّما سُمِعَ وقفاً لا إعرابَ فيهِ، فكان الأصلُ فيه الله أكبر الله أكبر فألقَوا على الرَّاء فتحةَ الألفِ من اسمِ الله فانفتحتِ الراءُ في الوصلِ وسقطتِ الألفُ في اللفظِ.
[3] أكَبَّ على الشيء: لازمه ومال عليه.
[4] ثم قال: {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء:84]
~المرءُ يُعرفُ في الأنامِ بفعـلِــه ومُحاضَرُ الحرِّ الكريمِ كأصلِه
~لا تستغِبْ فتُستغابَ وإنِّــــما مَن قال شيئاً قيل فيه بمثلِه
~وتجنَّبِ الفحْشا ولا تنطقْ بهـــا مادمـتَ في جِدِّ الكلامِ وهزْلِه
~عَلَتِ البَازَاةُ على الملوكِ بصمتِها وتـرى الهـَزَارَ مـقـّشرٌ من قشْرِه
~ما رأيتُ عصفوراً يزاحمُ باشقاً إلا لـخـفَّـتـِه وقـلَّـةِ عـقـلِـه
~في الهندِ مكتوبٌ على صخرة من يفـعلِ الخيرَ فذاكَ من أهـلِـه
والحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وكتبه المملوك تغري بردي السيفي تغمده الله برحمته.
[5] هكذا ساق الحميدي رحمه الله هذا الحديث في مسند أبي بكر، وذكر أطراف أخرى له في مسند عائشة، انظر الحديث:3346.