الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة

          9- الثَّالث: في جمع القرآن: عن زيد بن ثابت قال: أرسلَ إليَّ أبو بكرٍ مقتلَ أهلِ اليمامة، فإذا عمرٌ جالسٌ عنده، فقال أبو بكرٍ: إنَّ عمرَ جاءني فقال: إنَّ القتلَ قد استحرَّ(1) يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإنِّي أخشى أن يستحرَّ القتلُ بالقرَّاء في المواطن فيذهبَ من القرآن كثيرٌ، وإنِّي أرى أن تأمرَ بجمْعِ القرآن، قال: قلت لعمر: وكيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلعم ؟! فقال عمر: هو والله خيرٌ. فلم يزلْ يراجعُني في ذلك حتَّى شرح الله صدري(2) للَّذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الَّذي رأى عمر.
          وفي روايةٍ: قال زيد: فقال لي أبو بكرٍ: إنَّك رجلٌ شابٌّ عاقلٌ لا نتَّهمك، «قد كنتَ تكتب الوحيَ لرسولِ الله صلعم»، فتَتَبَّعِ القرآنَ فاجمعْه، قال زيدٌ: فوالله لو كلَّفني نقْلَ جبلٍ من الجبال ما كان أثقلَ عليَّ ممَّا أمرَني به من جمع القرآن، قال: قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعلْه رسولُ الله صلعم؟! فقال أبو بكرٍ: هو والله خيرٌ.
          قال: فلم يزلْ أبو بكرٍ يراجعني _وفي أخرى: فلم يزلْ عمر يراجعني_ حتَّى شرح الله صدري للَّذي شرح له صدر أبي بكرٍ وعمر.
          قال: / فتتَبَّعتُ القرآن(3) أجمعُه من الرِّقاع والعُسُب(4) واللِّخاف وصدور الرِّجال، حتَّى وجدتُ آخرَ سورة التَّوبة مع خزيمةَ، أو أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحدٍ غيرِه {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ} خاتمة براءة [التوبة:128-129]، قال: فكانت الصُّحف عند أبي بكرٍ حتَّى توفَّاه اللهُ، ثمَّ عند عمر حتَّى توفَّاه الله، ثمَّ عند حفصةَ بنت عمر. [خ¦4679]
          قال بعض الرُّواة فيه. [خ¦7191]
          اللِّخاف يعني الخَزَف (5).
          زاد ابن شهاب عن أنس: أنَّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يُغازي أهلَ الشَّام في فتح إرمينيَةَ وأذَرْبيجانَ(6) مع أهل العراق، فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين؛ أدرك هذه الأمَّةَ قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافَ اليهود والنَّصارى! فأرسل عثمانُ إلى حفصةَ: أنْ أرسلي إلينا بالصُّحف ننسخُها في المصاحف ثمَّ نردُّها إليك، فأرسلت بها إليه، فأمر زيدَ بن ثابت وعبد الله بن الزُّبير وسعيدَ بن العاصِ وعبد الله(7) بن الحارث بنِ هشام / فنسخوها في المصاحف، وقال عثمانُ للرَّهط القرشيين: إذا اختلفتُم أنتم وزيدُ بن ثابت في شيءٍ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنَّما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتَّى إذا نسخوا الصُّحفَ في المصاحف ردَّ عثمانُ الصُّحفَ إلى حفصةَ، وأرسل إلى كلِّ أُفُقٍ بمصحفٍ ممَّا نسخوا، وأمر بما سوى ذلك من القرآن في كلِّ صحيفةٍ أو مصحفٍ أن يُحرق (8).
          قال ابن شهاب: وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت أنَّه سمع زيد بن ثابت يقول: «فقدتُ آيةً من سورة الأحزاب حين نسختُ الصُّحفَ، قد كنت أسمع رسول الله صلعم يقرأ بها»، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمةَ بن ثابت الأنصاري {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23] فألحقناها في سورتها في المصحف. [خ¦2807]
          قال في رواية أبي اليمان: «مع خزيمةَ بن ثابت الَّذي جعل رسول الله صلعم شهادتَه شهادةَ رجلين». [خ¦2807] [خ¦4785]
          [زاد في روايةٍ أخرى: قال ابن شهاب: اختلفوا يومئذٍ في (التابوت)، فقال زيدٌ: (التابوه)،(9) وقال ابن الزُّبير وسعيد بن العاص: (التابوت) فرُفعَ اختلافُهم / إلى عثمانَ، فقال: اكتبوه (التابوت) فإنَّه بلسان قريش] (10).
          المسند من هذا الحديث قولُ أبي بكرٍ لزيد بن ثابت: «قد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله صلعم»، وقول عثمان: «فإنَّما نزل بلسان قريش»، وقول زيد: «قد كنتُ أسمع رسول الله صلعم يقرأ بها»، وقوله عن خزيمة: «الَّذي جعل رسول الله صلعم شهادته شهادة رجلين»(11).


[1] استحرَّ القتلُ: كثُر واشتد.(ابن الصلاح).
[2] انشراح الصدر: سَعَتُه وانفساحُه وتقبُّلُه للخير.(ابن الصلاح).
[3] هنا انتهى السقط من (ش).
[4] العُسُب: جمع عسيب وهو جريد النخل.(ابن الصلاح).
[5] اللِّخاف: حجارة بيض رقاق واحدتها لَخْفَة: وقيل: هي الخَزَف.(ابن الصلاح).
[6] في هامش (ابن الصلاح): قال لنا الشيخ رضي اللهُ عنه: (يغازي أهل الشام): أي يغزو معهم، و(إرمينية): بكسر أولها وتخفيف الياء الأخيرة، و(أذربيجان): بالقصر أفصح وبالمد أشهر.تمت.
[7] والشكرُ: الثناءُ وكلُّ شاكرٍ حامدٌ وليس كلُّ حامدٍ شاكراً، وربَّما جُعِلَ الحمدُ مكانَ الشكرِ ولا يجعلُ الشكرُ مكان الحمدِ كذا قال صاحب هذا القول، وقيل: الشُّكر ثلاثةُ منازلَ: شكرُ القلبِ وهو الاعتقادُ بأنَّ الله وليُّ النعمِ كلِّها على الحقيقةِ، قال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} [النحل:53] وشكرُ اللسانِ وهو إظهارُ النعمةِ باللسانِ مع الذِّكر الدائمِ لله ╡ والحمدِ لله تعالى، قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] والحمدُ لله رأسُ الشُّكرِ كما أن كلمةَ الإخلاصِ وهي لا إله إلا الله رأسُ الإيمانِ، والثالثُ شكرُ العملِ وهو دُؤُوب النفسِ على الطاعة، قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ:13] .
[8] في هامش (ابن الصلاح): قال لنا الشيخ رضي اللهُ عنه: (ويحرق) روي بالحاء المهملة وهو أثبت، وروي بالخاء المعجمة، والإحراق بالنار إذا كان للصيانة لا للاستهانة فلا بأس به.تمت.وقد أخرجه البخاري ░4987▒ من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري أنَّ أنس بن مالك حدثه به.
[9] تصحفت في (ابن الصلاح) إلى (التابوة) بالتاء المربوطة، ولغة الأنصار: (التابوه) بالهاء لا غير.انظر «لسان العرب» مادة (توب).
[10] ليست هذه الرواية في نسخنا من الصحيحين؛ بل عزاها الحافظ في «الفتح» 9/20 إلى جامع الترمذي.
[11] في هامش (ابن الصلاح): (بلغ).