حاشية على صحيح البخاري لزروق

مقدمة المصنف

          ♫
          وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليماً
          الحمد لله رب العالمين وبه أستعين وهو حسبي ونعم الوكيل، هذه إن شاء الله تعالى نكتة مفيدة منبهة على بعض بعض البعض مما يتعلق بالجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلعم تسليماً وسيره وأيامه.
          تأليف الشيخ الإمام العالم العلم سلطان المحدثين تاج المسندين ملجأ المسلمين في الحديث وأميرهم فيه أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة بفتح الموحدة وسكون المهملة وكسر الدال أيضاً بعدها زاي ساكنة فموحدة مفتوحة فتاء، البخاري الجعفي رواية أبي عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري بكسر الفاء وفتح الراء بعدها باء ساكنة وبفتح الفاء وسكون الراء وفتح الباء نسبة لفربر بلد بقرب بخارى على طرف جيحون.
          ولد البخاري ☼ ليلة الجمعة لاثني عشر أو ثلاثة عشر خلت من شوال ببخارى سنة 194 وتوفي ليلة عيد الفطر من سنة ستة وخمسين ومائتين والصحيح أن موته كان بقرية من قرى سمرقند يقال لها: خرنتك بخاء معجمة ثم راء بعدها نون بمثناة فوقية وقبره بها مشهور الفضل ظاهر البركات وأمر كتابه في ذلك أشهر من أن يذكر.
          وقد ذكر المروزي أنه رأى النبي صلعم تسليماً في منامه فقال له: ما لك تعدل عن كتابي؟ قال: فقلت: يا رسول الله وما كتابك؟ قال: كتاب محمد بن إسماعيل البخاري.
          ذكر طريقته ☼ في هذا الكتاب وذلك مستفاد من تسميته المذكورة فوقه إذ أفاد قوله «الجامع» أنه لم يختص بنوع بل احتوى على الأحكام والفضائل والأخبار والآداب والرقائق وغيرها.
          وأفاد قوله: «الصحيح» أن لا ضعيف فيه عنده وإن كان غيره قد انتقد عليه بعض ذلك، وقد صح عنه أنه قال: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وما كل الصحيح أدخلت بل لم يخرج في كتابه هذا إلا ما صح.
          رواه عن النبي صلعم تسليماً اثنان فصاعداً، ورواه عن كل واحد من الاثنين اثنان ثم يكون مشتهراً في القرن الثالث، كذا ذكره ابن الأثير وعزاه لأبي عبد الله الحاكم ورد من انتقده بأن الحاكم من المبرِّزين في الحفظ والاتقان فأقره.
          وشرط في الراوي ثبوت لقائه لمن روى عنه ولو مرة واحدة، وأن يأت بصيغة صريحة في السماع / كسمعتُه وحدَّثني وأخبرني، أو ظاهرة فيه كعن فلان وأن فلاناً لم يكن رواه مدلساً وإن كان ثقة في الآخرين.
          وعرف بالاستقراء منه انتقاء الرواة بحيث لا يُخرج فيه إلا عن أكثرهم صحبة لشيخه وأعرفهم لحديثه إلا في المتابعات، فإنه لا يشترط ذلك، وكذا حيث تدل قرينة على ضبطه من دون مَن ذكر والله أعلم.
          وعرف منه أنه لا يأتي إلا لتقوية الإسناد السابق فهو دليل على أن عنده فيه شيئاً تَجْبره المتابعة حتى يكون على شرطه وإن كان صحيحاً دون متابعة.
          وأفاد قوله: «المسند» أن ما اتصل سنده إنما وقع على غير ذلك ليس مقصوداً وإنما هو بالعرض والتتبع أو إنما وقع فيه على غير ذلك فهو مسند في غيره وفيه ما فيه ولو اكتفى بالصحيح عن المسند لكفى؛ لأن الصحيح ما اتصل سنده بعدولٍ ضابطين أو منتهاه بلا شذوذ ولا علة.
          وقوله: «من حديث رسول الله صلعم تسليمًا» أفاد به أن مقصوده الحديث، وما فيه من فقه وأثر، وغيره فليس مقصود.
          وجملة أحاديثه بالمكرر والمقطع سبعة آلاف ومائتان وخمس وسبعون حديثاً، ودون تكرار مع تقطيعها أربعة آلاف، ودون تقطيع ألفا حديث ومئتا حديثا واثني عشر حديثاً كذا حققها الحافظ شهاب الدين ابن حجر فيما سمعته من شيخنا أبي الخير السخاوي كان الله له.
          فصل
          في صناعته تأليفه: قال الشيوخ ▓: فقه البخاري في تراجمه فلذلك فرق الأحاديث على الأبواب ثم ما يدخله في الأبواب لم يلزم ظهور مناسبته لها بل ربما كان ظاهراً وربما كان خفياً والخفي ربما حصل تناوله بالاقتضاء أو باللزوم أو بالتمسك بالعموم أو بالرمز إلى مخالفة مخالف أو بالإشارة إلى أن في بعض طرقه التي ليست على شرط الكتاب ما يعطي المقصود وإن خلا عنها المتن.
          والسياق وقد يجعل ذلك الحديث ترجمة ويذكر معناه في داخل الباب.
          وقد يكتفي بالترجمة لفقد ما يرويه موافقًا له مما هو على شرطه، وربما أتى بالترجمة خلية عن الحديث والإيماء إليه بأن يدخل فيها آية أو أثرًا ليشعر بأن موافقها في المعنى موجود على غير شرطه، وربما ترجم الباب ولم يذكر الترجمة إما لمناسبتها لما قبلها بوجه جلي أو مغايرتها لها بوجه خفي أو لأنه لم يقع له ما يترجمها به في الحال أو لاتساع محتملاتها وتجاذب الفهم عنده فيها.
          ونقل أبو ذر الهروي عن المستملي أن ذلك لأنه لم يجد في الحالة ما يلائم الترجمة عن الحديث وبقيت عليه أحاديث لم يتضح له ما يرتضيه في الترجمة عنها فجعل لها أبواباً بلا تراجم وأشار إلى أنَّ بعض من نقل الكتاب بعد موت مصنفه ربما ضم باباً مترجماً إلى حديث غير مترجم / وأخلى البياض الذي [بينهما فظن بعضُ الناس أن ذلك الحديث له تعلق بالترجمة](1) التي قبله فيَجعلُ لها وجوهاً من المحامل المتكلفة ولا تعلق له به البتة.
          فصل
          فأما طريقته في تقطيع الأحاديث وتكريرها فإنه لما روى الحديث الواحد محتوياً على أحكام متعددة ولا يمكنه أن يفرد لكل حكم حديثاً يخصه اضطرَّه ذلك إلى التكرار لكنه إن ساقه بتمامه إسناداً ومتناً طال، وإن أهمله واكتفى بالترجمة قد لا يهتدي لضمنها منه فاعتبر ذلك أولاً بالإسناد بحيث أنه إذا أتى عن راو مفرد رواه عنه في باب آخر من طريق آخر ثم كذلك إلى هلم جراً.
          ثم إن كانت الأحكام أكثر من الرواة عدل التعليقة بحذف إسناده ليوردَ جملة منه بحسب ما يراه والمعلق هو ما حذف من أول إسناده [راوٍ فأكثر] (2) وصيغته الجزم كقال وفعل، وهذا أحد النكت في تعليق ما أسنده في موضع آخر ثم إن كان الحديث فرداً مطلقاً بحيث لا يتعدد الراوي عن راويهِ تصرف في المتن فيسوقه مرة مختصراً ومرة مطولاً ويعمد لتخريج ما ليس بواضح الدلالة في الباب للتنبيه على نكتة تعم.
          وأفادنا الشيخ شمس الدين السخاوي ☺ أنه إذا أراد ختم كتاب أشعر به بآخر ترجمة من الذي قبله أو بلفظةٍ من حديث فيها ما يدل على خروجه أو دخوله.
          ومن محاسن ما قيل في ابتدائه بالأعمال بالنيات وختمه بحديث الوزن أن مبدأ العمل النية ومنتهاه الوزن وذلك مبني على ما جاء عن الله بالوحي فلذلك ابتدأه أولاً فقال:


[1] ما بين معقوفين بياض في الأصل (ز)، وأثبت من (س).
[2] ما بين معقوفين استدرك من: «توجيه النظر إلى أصول الأثر» ░2/554▒.