فتح الباري شرح صحيح البخاري

كتاب الغسل


          قالَ البخاري ⌂:
          (░5▒) (كِتَابُ الغُسْل وقولُ الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6] وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} إلى قوله: {عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء:43]).
          صدَّر البخاريُّ ☼ كتاب الغسل بهاتين الآيتين ؛ لأنَّ غسل الجنابة مذكور فيهما .
          أمَّا قوله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} فأمرٌ للجنب إذا قام إلى الصلاة أن يتطهر .
          وتَطَهرُ الجنبِ هو غسله، كما في تطهر الحائض إذا انقطع دمها ؛ ولهذا قالَ تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّيَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة:222] والمراد بتطهرهن: اغتسالهن عندَ جمهور العلماء، فلا يباح وطؤها حتى تغتسل، وسيأتي تفسير الآية في: كتاب الحيض إن شاء الله تعالى .
          وأما قوله تعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّيَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّيَ تَغْتَسِلُواْ} [النساء:43]، فنهي عن قربان الجنب الصلاة حتى يغتسل، فصرح هنا بالغسل، وهو تفسير التطهير المذكور في آية المائدة .
          وهل المراد: نهي الجنب عن قربان الصلاة حتى يغتسل، إلا أن يكون مسافرًا -وهو عابر السبيل- فيعدم الماء، فيصلى بالتيمم، أو المراد: نهي الجنب عن قربان موضع الصلاة -وهو المسجد- إلَّا عابر سبيل فيهِ، غير جالس فيهِ، ولا لابث؟ هذا مما اختلف فيهِ المفسرون من السلف .
          وبكلِّ حالٍ فالآية تدل على أنَّ الجنبَ ما لم يغتسل منهي عن الصلاة، أو عن دخول المسجد، وأن استباحة ذلك تتوقف على الغسل، فيستدل به على وجوب الغسل على الجنب إذا أراد الصلاة أو دخول المسجد .