فتح الباري شرح صحيح البخاري

باب بدء الاذان

          ♫
          ░░10▒▒ (باب(2364) بَدْء الأَذَانِ).
          (وَقَوْلِ الله ╡: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}[المائدة:58]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللهِ}[الجمعة:9]). /
          يُشير إلى أَنَّ الأذان مذكورٌ في القرآن في هاتين الآيتين، الأُولى(2365) منهما يشمل جميعَ النِّداء إلى الصَّلَوَاتِ(2366)، فإنَّ الأفعال نكراتٌ، والنَّكرةُ في سياق الشَّرط تعمُّ، والصلاةُ اسم معرفة باللام فيعمُّ(2367) كلَّ صلاةٍ، والثَّانية منهما تختصُّ بالنِّداء إلى صلاة الجمعة.
          وقد رَوَى عبدُ العزيز بنُ عمرانَ عن إبراهيمَ بنِ أبي خيثمة عن داود بنِ الحُصَين عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: ((الأذانُ نَزَلَ على رسولِ الله صلعم معَ فرْضِ الصَّلَاة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة:9])). هذا إسنادٌ ساقِطٌ لا يَصِحُّ، وهذه الآية مدنيَّةٌ والصَّلَاةُ فُرِضَت بمكَّةَ، ولم يَصِحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم صَلَّى بمكَّةَ جُمْعَةً.
          وقوله تعالى: ({وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا} [المائدة:58]) مَدَنيَّةٌ أَيْضًا، ولم يؤذَّنْ لِلصَّلَاةِ بمكَّة.
          والحديث الَّذِي رُوِيَ: ((أَنَّ جبريلَ لمَّا أمَّ النَّبِيَّ صلعم أوَّلَ ما فُرِضَت الصَّلَاةُ أَمَرَهُ أن يؤذِّنَ فيهِم(2368) بالصَّلَاة))، قد جاء مفسَّرًا في روايةٍ أخرى: ((أنَّهُ نُودي(2369): الصَّلَاةُ جامعةٌ)). وقد سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ كتاب الصَّلَاة.
          وقد رُوِيَ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلعم ليلةَ أُسرِيَ به(2370) خرج مَلَكٌ مِنْ وراء الحِجاب فأذَّن، وصدَّقه(2371) ربُّهُ ╡ والنَّبِيُّ صلعم يسمَعُ ذلك، ثُمَّ أخذ(2372) الملَك بيد محمَّدٍ فقدَّمَهُ فأمَّ أهلَ السَّماء، منهم آدمُ ونوحٌ)).
          قال أبو جعفرٍ محمَّدُ بن عليٍّ: ((فيومئذٍ أكمَلَ اللهُ لمحمَّدٍ(2373) صلعم الشَّرَفَ على أهلِ السَّمَاءِ وأهلِ الأرضِ)).
          وقد خَرَّجَهُ البزَّار والهَيثم بن كُلَيبٍ في «مسندَيهما» بسياقٍ مطوَّلٍ مِنْ طَريق زياد بن المنذر أبي الجارود، عن محمَّد بن عليِّ بن الحسين، عن أبيه عن جدِّه(2374) عن عليٍّ. وهو حديثٌ لا يَصِحُّ، وزياد بن المنذر أبو الجارود الكوفيُّ قال فيه الإمام أحمدُ: متروك الحديث(2375). وقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كذَّابٌ عدوُّ الله لا يساوي فَلْسًا. وقَالَ ابْنُ حِبَّان: كان رافضيًّا يضَعُ الحديث.
          ورَوَى طلحةُ بن زيدٍ الرَّقِّيُّ عن يونسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن سالمٍ عن أبيه: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلعم لَمَّا أُسرِيَ به إلى السَّماء أوحِيَ(2376) إليه الأذانَ، فنَزَلَ به فعلَّمَهُ جِبريلَ)). خَرَّجَهُ الطَّبَرانيُّ، وهو موضوعٌ بهذا الإسناد بغيرِ شكٍّ، وطلحةُ هذا كَذَّابٌ مشهورٌ، ونبَّهْنَا على ذلك لئلَّا يُغتَرَّ بشيءٍ منهُ.
          وإنَّما شُرِع الأذانُ بعد هجرةِ النَّبِيِّ صلعم إلى المدينة، والأحاديثُ الصَّحيحة كلُّها تَدُلُّ على ذلك.
          والأذان له فوائدُ، منها أنَّهُ إعلامٌ بوقت الصَّلَاة أو فعلِهَا، ومِنْ هذا الوجه هو إخبارٌ بالوقت أو الفعل، ولهذا كان المؤذِّن مؤتَمَنًا.
          ومنها أنَّهُ إعلامٌ للغائبين عن المسجد، فلهذا شُرِعَ فيه(2377) رَفْعُ الصَّوت، / وسُمِّي نداءً فإنَّ النِّداء هو الصَّوتُ الرَّفيع، ولهذا المعنى قال النَّبِيُّ صلعم لعبد الله بن زيدٍ: ((قمْ فَأَلْقِهِ على بلالٍ فَإِنَّهُ أندَى صوتًا منك)).
          ومنها أنَّهُ دعاءٌ إلى الصَّلَاة، فإنَّ معنى قوله: حيَّ على الصَّلَاة حيَّ على الفلاح: هلمُّوا إلى الصلاة(2378). وقد قيل: إنَّ قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا...} الآية [فصلت:33] نَزَلَتْ في المؤذِّنين، ورُوِيَ ذلك(2379) عن طائفةٍ مِنَ الصَّحابةِ، وقيل في قوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم:43]: إنَّهَا الصَّلَوَاتُ الخمسُ حيثُ(2380) يُنادَى بها.
          ومنها أنَّهُ إعلانٌ بشعائر(2381) الإسلام مِنَ التَّوحيد والتَّكبير والتَّهليل والشَّهادة بالوحدانيَّة والرِّسالة.