فتح الباري شرح صحيح البخاري

كتاب العمل في الصلاة

          ░░21▒▒ كِتَابُ العَمَلِ في الصَّلَاةِ.
          ░1▒ (بابُ: اسْتِعَانَةِ الْيَدِ فِي الصَّلاَةِ إِذَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الصَّلاَةِ).
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ☻: يَسْتَعِينُ الرَّجُلُ فِي صَلاَتِهِ مِن جَسَدِهِ بِمَا شَاءَ).
          (وَوَضَعَ أَبُو إِسْحَاقَ قَلَنْسُوَتَهُ فِي الصَّلاَةِ وَرَفَعَهَا).
          (وَوَضَعَ عَلِيٌّ ☺ كَفَّهُ عَلَى رُسْغِهِ الأَيْسَرِ، إِلاَّ أَنْ يَحُكَّ جِلْدًا أَوْ يُصْلِحَ ثَوْبًا).
          شرعَ البخاري مِن هاهنا في الكلام فيما يجوز مِن الأفعال في الصلاة، وما يُكره فيها، وما لا يجوز، وابتدأ من ذلك باستعانة المصلِّي بيده في صلاته، فيما يحتاج إليه مِن أمر صَلاته.
          وحكى عن ابن عباس، قال: (يَسْتَعِينُ الرَّجُلُ فِي صَلاَتِهِ مِن جَسَدِهِ بِمَا شَاء)، وعن أبي إسحاق، أنه وضع قَلَنْسُوته في صَلاته ورفَعَها، والظاهر: أن هذا كان لحاجة، وإلاَّ لكان عَبثًا، وهو مكروه، وعن علي بن أبي طالبٍ أنه وضع كفَّه على رُسْغه الأيسر، إلاَّ أن يحكَّ جسدًا أو يُصلِح ثوبًا.
          روي وكيع في «كتابه» عن عبد السَّلام بن شَدَّاد الجريري، عن غَزوان بن جَرير الضَّبِّي، عن أبيه، قال: ((كان عليٌّ إذا قام في الصَّلاة وضَع يمينَه على رُسغه، فلا يزال كذلك حتى يركع متى ما ركع، إلاَّ أن يصلحَ ثوبَه، أو يحكَّ جسدَه)).
          وروى بإسنادِه عن إبراهيم أنه كرِه أن يُحدِث الرَّجُلُ في الصَّلاة شيئًا، حتى زَرَّ القميص. قال: وكان إبراهيم لا يرى بأسًا إذا استرخى إزارُه في الصَّلاة أن يرفعَه.
          وروى عبد الرزاق في «كتابه» عن الثوريِّ، عن مَنصورٍ، عن مجاهد، قال: كان يقال في مسح اللحية في الصَّلاة: واحدةً أو دَع.
          وعن هُشَيمٍ، أخبرَني حُصَين، عن عبد الملك بن سَعيد، قال: ((قد كان النَّبِيُّ صلعم إذا صلَّى وضع يده اليمنى على يده اليسرى، وكان ربَّما يضع يده على لحيتهِ في الصَّلاة)).
          وخرَّجه أبو داود في «مراسيله» مِن رواية شعبة، عن حصين، عن عبد الملك بن أخي عَمرو بن حُرَيث، عن النَّبيِّ صلعم.
          وذكر عبد الرَّزاق، عن ابن جُريج: سألتُ عطاء عن الاحتكاك في الصلاة، والارتداء والاتِّزار؟ قالَ: كلُّ ذَلِكَ لا تفعلْه في الصَّلاة. وهذا محمول على أنه لم يكن لهُ حاجة إليه.
          والمروي عن عليٍّ محمولٌ عَلى(4474) أنَّه كانَ يفعله للحاجة إليه.
          وقال سفيان الثَّوري: يُكره أن يلبَس النَّعلَ أو الرِّداءَ، وأن يضَع القَلَنْسوَة على رأسه، وينـزعَ خُفَّيه أو نَعْليه، إلاَّ لشيءٍ يؤذيه، ولا بأسَ أن يحكَّ شيئًا مِن جَسَده، إذا آذاه ذَلِكَ.
          وعند أصحابِنا: كلُّ عملٍ يسيرٍ يَعرضُ في الصَّلاة لحاجةٍ فلا يُكره.
          واستدلُّوا بما خرَّجه مسلمٌ ☼ مِن / حديث وَائل بن حُجرٍ ((أنَّه رأى النَّبيَّ صلعم رفَع يدَيه حينَ دخَل في الصَّلاة كبَّر ثم التحَفَ بثوبهِ، ثم وضَع يده اليمنى على يدِهِ اليُسرى، فلما أرادَ أن يركَع أخرجَ يديه مِن الثوب، ثم رفعَهما، ثمَّ كبَّر فركع...)). وذكر الحديث.
          ومذهبُ الشَّافعيِّ نحوُه أيضًا.
          وروى حربٌ عن أحمدَ في الرَّجل يسقط رداؤه عَن ظَهره في الصَّلاة فيحمله، قال: أرجو أنْ لا يضيقَ ذلك.
          وروى حَربٌ بإسناده، عن أبي جعفر والشعبي، قالا: لا بأس أن يسوِّي الرجل رداءَه في الصَّلاة.
          وقال حَربٌ: سألتُ أحمدَ عن الرَّجل يصلي فتحتكُّ ساقه، فيحكُّهُ؟ فكأنَّه كرهَه. قلت: يحكُّه بقدمه؟ قالَ: هوَ بالقدم أسهل، وكأنَّه رخَّص فيهِ.
          ومِن متأخِّري أصحابنا مَن قالَ: الحكُّ الذي لا يصبرُ عَنه المصلِّي لا تبطل صَلاته وإن كثُر.