أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب إذا التقى الختانان

          ░28▒ هذا (بابٌ)؛ بالتنوين في بيان حكم ما (إذا التقى) أي: اجتمع (الختانان)؛ يعني: ختان الرجل وختان المرأة، فـ (إذا) شرطية وجوابها محذوف؛ أي: فقد وجب الغسل، ويحتمل أن تكون (إذا) لمجرد الظرفية؛ فلا جواب لها، والـ (باب) مضاف إليها على تقدير مضافين؛ أي: بيان حكم الغسل وقت التقاء الختانين، والأول الأظهر، كما لا يخفى.
          وزعم ابن حجر أن المراد بهذه التثنية ختان الرجل وخفاض المرأة، وإنما ثنيا بلفظ واحد؛ تغليبًا له.
          قال في «عمدة القاري»: (وذكر هذا هكذا بناء على عادة العرب؛ فإنهم يختنون النساء، قال صلعم: «الختان للرجال سنة، وللنساء مكرمة»، رواه الإمام الخصاف في «أدب القاضي» عن شداد بن أوس ☺) .
          قلت: وعلى هذا؛ فلا تغليب، كما زعمه هذا القائل؛ فليحفظ، ثم الختان: قطع الجلدة؛ وهي ما دون حزة الحشفة وهي الكمرة، وكذا الختن، والخفاض: قطع جلدة في أعلى الفرج تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة، وكذلك الخفض؛ لأنَّ مدخل الذكر هو مخرج المني والولد والحيض، وفوق مدخل الذكر مخرج البول؛ كإحليل الرجل وبينهما جلدة رقيقة يقطع منها في الختان، والمراد بالتقائهما: اجتماعهما ومحاذاتهما، وهو عبارة عن إيلاج الحشفة كلها في قُبل أو دُبر، والمراد بالحشفة: ما فوق الختان، كما في «القاموس».
          واختلفوا في الموجب للغسل، فقال في «النهاية»: (هذه المعاني موجبة للجنابة لا للغسل على المذهب الصحيح؛ لأنَّها تنقض الغسل، فكيف توجبه؟ لأنَّ الناقض للشيء لا يكون مثبتًا له) .
          واعترضه في «غاية البيان»: (بأن المراد أن الغسل يجب بهذه المعاني على طريق البدل، وإنما يتوجه ما اعترض به إذا كانت هذه المعاني موجبة لوجود الغسل لا لوجوبه، واعترض أيضًا بأنها تنقض ما كان، وتوجب ما سيكون، فلا منافاة) .
          وأجاب في «المستصفى»: (بأن هذه المعاني شروط في الوجوب لا أسباب، فأضيف الوجوب إلى الشرط مجازًا؛ لأنَّ السبب يتعلق به الوجود والوجوب، والشرط يضاف إليه الوجود، فشارك الشرط السبب في الوجود) انتهى.
          وقال العلامة سعدي أفندي: (الجمهور: على أن هذه المعاني شروط لا أسباب؛ لمنافاتها الطهارة، فجعلها موجبات تسامح) انتهى.
          واختار شيخ الإسلام في «المبسوط»: (أن سبب وجوب الغسل إرادة ما لا يحل فعله بسبب الجنابة من صلاة، وقراءة قرآن عند عامة المشايخ) .
          واعترضه في «غاية البيان»: (بأن الغسل يجب إذا وجد أحد هذه المعاني، سواء وجدت الإرادة أو لم توجد) .
          ورده في «العناية» قال: / (وفيه نظر؛ لأنَّ فائدة الوجوب للأداء وهو أمر اختياري، فأضيف الوجوب إلى الأداء؛ لهذا المعنى)؛ فتأمل.
          وقيل: إن السبب الجنابة أو ما في معناها، واختاره في «غاية البيان».
          وقيل: إن السبب وجوب ما لا يحل مع الجنابة، واختاره المحقق في «فتح القدير».
          وقيل: إن السبب إرادة ما لا يحل فعله بسبب الجنابة من صلاة، وقراءة قرآن، ودخول مسجد، ومس مصحف، واختاره في «الكافي»، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام في «المبسوط»، وتمامه في شرحنا على «القدوري» المسمى بـ«منهل الطلاب»، والله أعلم بالصواب.