أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس

          ░23▒ هذا (باب) حكم (عرق) الآدمي (الجنب) والطاهر، والمحدث، والحائض، والنفساء، والصغير، والكبير، والمسلم، والكافر، والذكر، والأنثى؛ يعني: أن عرق هؤلاء طاهر، (وأن المسلم لا ينجس) عطف على المضاف إليه، والتقدير: وباب أن المسلم لا ينجس، بل هو طاهر وإن كان متصفًا بما ذكرناه، فإذا كان هو طاهرًا؛ فعرقه طاهر ضرورة؛ للزومه له.
          قال صاحب «عمدة القاري»: (ولم يبين البخاري ما حكم عرق الجنب، ولا ذكر في هذا الباب شيئًا يطابق هذه الترجمة) .
          وقال بعضهم: كأن المصنف يشير بذلك إلى الخلاف في عرق الكافر، وقال قوم: إنه نجس بناء على القول بنجاسة عينه.
          قلت: (ما أبعد هذا الكلام عن الذوق! فكيف يتوجه ما قاله والمصنف قال: باب عرق الجنب، وسكت عليه، ولم يشر إلى حكمه لا في الترجمة ولا في الذي ذكره في هذا الباب؟
          وفائدة ذكر الباب المعقود بالترجمة ذكر ما عقدت له الترجمة وإلا؛ فلا فائدة في ذكرها، ويمكن أن يقال ذكر ترجمتين؛ فالترجمة الثانية تدل على أن المسلم طاهر، ومن لوازم طهارته طهارة عرقه، ولكن هذا مخصوص بعرق المسلم، والحال أن عرق الكافر أيضًا طاهر) انتهى.
          قلت: وقد حاول العجلوني عبارته ورمم عبارة ابن حجر بكلام أخذه من «عمدة القاري» الذي علمته، وزعم أن صنيع المؤلف وابن حجر حسن، وأن في كلام «عمدة القاري» تناقضًا(1) في قوله: «ويمكن...» إلخ وقال: ولم يتعرض ابن حجر في «الانتقاض» لرد الاعتراض؛ لظهوره. انتهى كلامه.
          قلت: ولا يخفى تعصب هذا القائل، فقد زاد في الطنبور نغمة، فإن كلامه لا فائدة فيه ولا معنى يأويه؛ لخلوه من التحقيق، ولا يخفى أن صنيع المؤلف وابن حجر ليس بحسن أصلًا؛ لأنَّ الترجمة قاصرة؛ حيث إنه لم يبين حكم العرق من الجنب لا في الترجمة ولا في أحاديث الباب، فكيف يقال: إن صنيعه حسن على أن قوله: (وإن المسلم لا ينجس) التي هي الترجمة الثانية، كذلك لا تدل على حكم عرق الجنب؛ لأنَّ المراد بالمسلم: الطاهر لأنَّه المسلم الكامل، ولا ريب أن عرقه طاهر لطهارة بدنه، والجنب خارج عن هذا، فلا بد من بيان حكم عرقه.
          ولا دلالة في الترجمة أن المؤلف أشار بالتقييد بـ (المسلم) إلى الخلاف في عرق الكافر كما زعمه ابن حجر؛ لأنَّ مراد المؤلف بالتقييد بـ (المسلم) موافقة لحديث الباب، لا للخلاف في عرقه؛ لأنَّ هذا ظاهر حيث إنا لم ننهَ عن نكاح أهل الكتاب، فدل على طهارته من دليل آخر، كما لا يخفى.
          وقوله: (وإن في كلام «عمدة القاري»...) إلخ ممنوع؛ فإنه لما ذكر ما هو التحقيق من عدم بيان حكم عرق الجنب، ورد كلام ابن حجر؛ ظهر له أن الترجمة يمكن حملها على ما قاله، فهذا ليس يتناقض ما زعمه هذا القائل، ولا يسع أحدًا أن يقوله من ذوي الأفهام كما لا يخفى على أولي الألباب.
          وقوله: (ولم يتعرض...) إلخ؛ هذا ظاهر في أن الاعتراض في غاية التحقيق ولو كان غير ذلك؛ لما سكت عليه ابن حجر، فسكوته دليل على أن كلام نفسه غير مرض له؛ لما أنه غير ظاهر، كما لا يخفى؛ فافهم، والله أعلم.


[1] في الأصل: (تناقض)، ولعل المثبت هو الصواب.