النكت على صحيح البخاري

حديث: كان رسول الله أجود الناس

          6- قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هُوَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ الْمَرْوَزِيُّ.
          (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) هو ابن المبارك.
          (أَخْبَرَنَا يُونُسُ) هو ابنُ يزيدَ الأَيلي.
          قوله: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ، وَمَعْمَرٌ نَحْوَهُ) أي أنَّ عبد الله بن المبارك حَدَّث به عبدان، عن يونس وحده، وحَدَّثَ به بشر (1) بن محمد، عن يونس ومَعْمَر معًا، أمَّا باللفظ فعن يونس، وأمَّا بالمعنى فعن مَعْمَر.
          قوله: (عُبَيْدُ اللهِ) هو ابن عبد الله بن عتبة (2) بن مسعود الآتي في الحديث الذي بعده.
          قوله: (أَجْوَدَ النَّاسِ) بنصب أجود؛ لأنَّها خبر كان وقدَّم ابن عباس هذه الجملة على ما بعدها _وإن كانت لا تتعلق بالقرآن_ على سبيل الاحتراز من مفهوم ما بعدها.
          قوله: (وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ) هو برفع أجود، هكذا في أكثر الروايات، وأجود: اسم كان، وخبره محذوف، وهو نحو: أَخْطبُ ما يكون الأمير في يوم الجمعة، أو هو مرفوع على أنَّه مبتدأ مضاف إلى المصدر، وهو (مَا يَكُونُ) وما تصدَّر به، وخبره (فِي رَمَضَانَ)، والتقدير: أجود أكوان (3) رسول الله صلعم في رمضان، وإلى هذا احتجَّ البُخَارِيُّ في تبويبه في كتاب الصيام إذ قال: (باب: أجود ما كان النبي صلعم يكون في رمضان).
          وفي رواية الأَصِيْلِيِّ: <أَجْوَدَ> بالنصب على أنَّه خبر كان، وتُعُقِّبَ بأنَّه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها، وأُجِيْب بجعل اسم كان ضمير النبي صلعم و(أجود) خبرها، والتقدير: وكان رسول الله صلعم مُدَّة كونه في رمضان أجود منه في غيره.
          قال النوويُّ: الرَّفع أَشْهَر والنصب جائز، وذكر أنَّه سأل ابن مالك عنه فخرَّج الرفع من ثلاثة أوجه، والنصب من وجهين، وذكر ابن الحاجب في «أمَاليه» للرفع خمسة أوجه، توارد مع ابن مالك منها في وجهين وزاد ثلاثة، ولم يعرج على النصب.
          قلتُ: ويُرجِّحُ الرفعَ وروده بدون (كان) عند المؤلف في الصوم.
          قوله: (فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ).
          قيل: الحكمة فيه أن يُدارسه القرآن تجدد له العهد لمزيد غنى النفس، والغنى سبب الجود، والجود في الشرع: إعطاء ما ينبغي / لمن ينبغي، وهو أعمُّ من الصدقة، وأيضًا فرمضان موسم الخيرات؛ لأنَّ نِعَمَ الله على عباده فيه زائدة على غيره، فكان النبي صلعم يُؤثِر متابعة سنة الله تعالى في عباده.
          قوله: (فَلَرَسُولُ اللهِ) اللام للابتداء وزِيْدَت على المبتدأ تأكيدًا، وهي جواب قسم مقدر.
          و(المُرْسَلَةِ) أي: المُطْلقة، يعني أنَّه في الإسراع بالجود أسرع من الريح.
          وقال النوويُّ: في الحديث فوائد:
          منها الحثُّ على الجود في كلِّ وقت والزيادة منها في رمضان وعند الاجتماع بأهل الصلاح.
          وفيه زيارة الصلحاء وأهل الفضل وتكرار ذلك إذا كان الْمَزُور لا يكرهه، واستحباب الإكثار من القراءة في رمضان، وكونها أفضل من سائر الأذكار؛ إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويًا لفعلاه.
          فإن قيل: المقصود تجويد الحفظ، قلنا: الحفظ كان حاصلًا والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس، وأنَّه يجوز أن يقال: رمضان من غير إضافة، وغير ذلك مما يظهر بالتأمل.
          قلت: فيه إشارة إلى أنَّ ابتداء نزول القرآن كان في رمضان، فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة ♀، وبهذا يُجاب من سأل عن مناسبة إيراد هذا الحديث في هذا الباب، والله الموفق للصواب.


[1] في الأصل: ((يونس)).
[2] في الأصل: ((نمير)).
[3] في الأصل: ((أن)) بدل: ((أكوان)).