الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: أما صاحبكم فقد غامر

          3661- (آخِذًا): اسمُ فاعلٍ منصوبٌ على الحالِ.
          (فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟): الوجهُ: (تاركونَ لي) لأنَّ الكلمةَ ليستْ مضافةً؛ لأنَّ حرفَ الجرِّ منعَ الإضافةَ، وإنَّما يجوزُ حذفُ النونِ في موضعين:
          الإضافة، ولا إضافةَ ههنا.
          وأن يكونَ في (تاركو) الألفُ واللَّامُ؛ كقولِه: [من المنسرح]
الحَافِظُو عَوْرَةِ العَشِيرَةِ......                     ..................... /
          قال: والأشبهُ أنَّ حذفَها غلطٌ مِنَ(1) الرُّواةِ.
          وقال الكِرمانيُّ: (فَصَلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بالجارِّ والمجرورِ؛ عنايةً بتقديمِ لفظِ الاختصاصِ، وفي بعضِها بالنونِ، وإنَّما جمعَ بين الإضافتينِ إلى نفسِه للاختصاصِ والتعظيمِ) انتهى.
          وقال العلَّامةُ ابنُ مالكٍ: (فيه شاهدٌ على جوازِ الفصلِ دونَ ضرورةٍ بجارٍّ ومجرورٍ بينَ المضافِ والمضافِ إليه إن كان الجارُّ متعلِّقًا بالمضافِ، والفصلُ بالظرفِ(2) كذلك).[73أ]
          وقال بعضُهم: فيه وجهانِ:
          أحدهما: أنْ يكونَ استطالَ الكلمةَ، فحذفَ النونَ كما تُحذَفُ مِنَ الموصولِ للطُّولِ؛ كقولِه تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُواْ} [التوبة:69].
          الثاني: أنْ يكونَ «صاحبي» مضافًا، وفَصَلَ بينَ المضافِ والمضافِ إليه بالجارِّ والمجرورِ؛ عنايةً بتقديمِ لفظِ الإضافةِ، وفي ذلك الجمعُ بين إضافتينِ إلى نفسِه، كلُّ ذلك تعظيمًا للصِّدِّيقِ، ونظيرُه قراءةُ ابنِ عامرٍ: {قَتْلُ أَوْلاَدِهُمْ شُرَكَآئِهِمْ}[الأنعام:137 / وفَصَلَ بين المتضايفينِ بالمفعولِ.
          إشارةٌ: زعمَ كثيرٌ مِنَ النَّحْويِّينَ أنَّه لا يُفصَلُ بينَ المتضايِفَينِ إلَّا في الشِّعرِ، والحقُّ أنَّ مسائلَ الفصلِ سَبْعٌ؛ منها ثلاثٌ جائزةٌ في السَّعَةِ:
          إحداها: أنْ يكونَ المضافُ مصدرًا، والمضافُ إليه فاعلَه، والفاصلُ إمَّا مفعولُه، كقراءةِ ابنِ عامرٍ: {وَكَذَلِكَ زُيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآئِهِمْ} [الأنعام:137]، وقولِ الشاعرِ: [من الطويل]
........................                     فَسُقْنَاهُمُ سَوْقَ البُغَاثَ الأَجَادِلِ(3)
          وإمَّا ظَرْفُه، كقولِ بعضِهم: (تَرْكُ يومًا نفسِك وهواها سعيٌ لها في رَداها).
          الثانيةُ: أنْ يكونَ المضافُ وَصْفًا، والمضافُ إليه إمَّا مفعولُه الأوَّلُ والفاصلُ مفعولُه الثاني، كقراءةِ جماعةٍ: ▬فَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ↨ [إبراهيم:47]، وقولِ الشاعرِ: [من الكامل] /
........................                     وَسِوَاكَ مَانِعُ فَضْلَهُ المُحْتَاجِ
          أو ظَرْفُه، كهذا الحديثِ، [وقولِ الشاعرِ]: [من الطويل]
........................                     كَنَاحِتِ يَوْمًا صَخْرَةٍ بِعَسِيلِ
          الثالثةُ: أنْ يكونَ الفاصلُ قَسَمًا، كقولِك: (هذا غُلامُ واللهِ زيدٍ).
          والأربعُ الباقيةُ تختصُّ بالشِّعرِ:
          إحداها: الفصلُ بالأجنبيِّ، ونعني به: معمولَ غيرِ المضافِ، فاعلًا كانَ، كقولِه: [من المنسرح]
أَنْجَبَ أَيَّامَ وَالِدَاهُ بِهِ                     إِذْ نَجَلَاهُ فَنِعْمَ مَا نَجَلَا
          أي: أنجبَ والداهُ به أيَّامَ إذْ نَجَلَاه.
          أو مفعولًا، كقولِه: [من البسيط]
تَسْقِي امْتِيَاحًا نَدَى المِسْوَاكَ رِيقَتِهَا                     ............. /
          أي: تَسقي نَدَى ريقَتِها المِسواكَ.
          أو ظَرْفًا، كقولِه: [من الوافر]
كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْمًا                     يَهُودِيٍّ يُقَارِبُ أَوْ يُزِيلُ
          الثانيةُ: الفصلُ بفاعلِ المضافِ، كقولِه: [من الرجز]
مَا إِنْ وَجَدْنَا للْهَوَى مِنْ طِبِّ
وَلَا عَدِمْنَا قَهْرَ وَجْدٌ صَبِّ
          ويَحتمل أنْ يكونَ منه أو مِنَ الفصلِ بالمفعولِ قولُه: [من الوافر]
لِئِنْ كَانَ النِّكَاحُ أَحَلَّ شَيْءٍ                     فَإِنَّ نِكَاحَهَا مَطَرٍ حَرَامُ
          بدليلِ أنَّه يُروى بنصبِ (مطر) وبرفعِه، فالتقدير: فإنَّ نكاحَ مطرٍ إيَّاها، أو هي.
          الثالثةُ: الفصلُ بنعتِ المضافِ، كقولِه: [من الطويل]
........................                     مِنَ ابْنِ أَبِي شَيْخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ /
          أي: مِنَ ابنِ أبي طالبٍ شيخِ الأباطح.
          الرابعةُ: الفصلُ بالنداءِ، كقولِه: [من الرجز]
كَأَنَّ بِرْذَوْنَ أَبَا عِصَامِ
زَيْدٍ حِمَارٌ دُقَّ بِاللِّجَامِ
          أي: كأنَّ بِرذونَ [زيدٍ] يا أبا عصامٍ...، واللهُ أعلمُ. /


[1] في (ب): (من غلط).
[2] في النسختين: (بالجارِّ)، والمثبت موافق لمصدره: «شواهد التوضيح» (ص233) (56).
[3] عجز بيت لم يُعثَر له على قائل، وصدره:
~عَتَوْا إِذْ أَجَبْنَاهُمْ إِلَى السَّلْمِ رَأْفَةً                     ..................
وقد تصحَّف آخره في (ب) إلى: (البغاةِ الأجاذل)، وهو من شواهد «شرح الكافية الشافية» (2/987) (628)، «أوضح المسالك» (3/161) (353)، والشاهد فيه: الفصل بين (سوق) وهو مصدر مضاف إلى فاعله، وبين فاعله المضاف إليه وهو (الأجادل) بالمفعول وهو (البغاث)، وعتوا: من العتوِّ؛ وهو مجاوزة الحدِّ، والسلم: الصلح، والبغاث _مثلث الباء_: طائرٌ ضعيف، والأجادل: جمع أجدل؛ وهو الصقر.