الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: ما مِن أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله

          128- (عَلَى الرَّحْلِ): متعلِّقٌ بـــ(رَدِيفُهُ)، والجملةُ حالٌ، و(قَالَ): هو خبرٌ لـــ(أنَّ)، ويَحتمل أن يكون (عَلَى الرَّحْلِ) حالًا مِنَ النَّبيِّ صلعم.
          (يَا مُعَاذَُ بْنَُ جَبَلٍ): (ابْنَ) منصوبٌ، وفي «التَّسهيل» جوازُ رفعِه، و(معاذَُ) فيه النَّصبُ والرَّفعُ، وسيأتي الكلامُ على هذا مطوَّلًا في «يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ» [خ¦2053].
          وقال البِرماويُّ: (بنصبِ «ابْن»، وضمِّ «مُعَاذ»؛ لأنَّه منادًى مفردٌ، ونصبِه؛ لأنَّه مع صفتِه كشيءٍ واحدٍ مضافٍ لما بعدَه). /
          وقال الكِرمانيُّ: (إنَّه المختارُ)، أي: كما اختارَه ابنُ الحاجب، لكن مختار ابن مالك الضمُّ.
          وقال الزَّركشيُّ: (يجوزُ في «مُعَاذ» النَّصبُ على أنَّه مع ما بعدَه كاسمٍ واحدٍ مركَّبٍ، والمنادى المضاف منصوبٌ، ويجوزُ فيه الرَّفعُ على أنَّه منادًى مفردٌ عَلَمٌ، و«ابْنَ» منصوبٌ بلا خلافٍ) انتهى.
          قوله(1): (لَبَّيْكَ): معناه: أنا مقيمٌ على طاعتِكَ، (وَسَعْدَيْكَ): أي: مُساعِدٌ طاعتَك، وهما من المصادر التي يجبُ حذفُ فِعْلِها، وكان حقَّهما أن يُقال: لبًّا لك، وإسعادًا لك، ولكن ثُنِّيَا(2) على معنى التَّأكيد، أي: إلبابًا بعدَ إلباب(3)، أي: إقامةً بعدَ إقامةٍ، وإسعادًا بعدَ إسعادٍ، قاله الكِرمانيُّ.
          اعلم أنَّهمُ اختلفوا في (لَبَّيْكَ) وأخواته؛ هل هو مفردٌ، أو تثنيةٌ لفظيَّةٌ، أو حقيقيَّةٌ؟ / فذهب يونسُ إلى أنَّه مفردٌ مقصورٌ، والأصلُ: (لَبَّى)، وكان الأصل أن يقالَ: لَبَاكَ؛ مثلُ: عَصَاكَ، إلَّا أنَّه قُلِبَتْ ألفُهُ مع الضَّميرِ بالحملِ على (لَدَى) و(على) كما قالوا: (لديك) و(عليك) قالوا: (لبيك).
          ورُدَّ بأنَّ القلبَ لو كان لأجلِ الضَّميرِ لَمَا انقلبَ معَ الظَّاهرِ، قال الشَّاعرُ: [من المتقارب]
دَعَوْتُ لِمَا نَابَنِي مِسْوَرًا                     فَلَبَّى فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ /
          وذهبَ سيبويه والخليل إلى أنَّه تثنيةٌ، ومفرده: (لبَّ)(4) حكاهُ سيبويه، و(لَبَّ) اسمُ مصدرٍ الَّذي هو (إلباب)، ولكن هذه التَّثنية المراد بها: التَّكثير.
          وذهبَ السُّهيليُّ إلى أنَّها تثنيةٌ حقيقيَّةٌ، والمرادُ بها: تَلْبيتانِ؛ تلبيةٌ في امتثالِ الأوامرِ، وتلبيةٌ في الازدجارِ عنِ المناهي. /
          ثمَّ لا يُضافُ إلَّا إلى ضمير المخاطب، ويظهرُ من كلام سيبويه أنَّها تُضاف إلى الظَّاهر، فقال: (تقول: لبَّيْ زيدٍ).
          وأمَّا إضافتُها إلى ضميرِ الغائبِ فشاذٌّ.
          والفعلُ النَّاصبُ لهذا المصدرِ لا يَظهرُ؛ لأنَّ التَّثنيةَ تكريرٌ في المعنى، والتَّكريرُ يُغني عن ذِكْرِ الفعل.
          وأمَّا الكافُ اللَّاحقةُ لها فذهب الجمهورُ إلى أنَّها ضميرٌ؛ فإنْ كان المصدرُ يُرادُ به الطَّلبُ فهي في موضعِ الفاعل، نحو: (دواليك)، فإنَّه مأخوذٌ مِنَ المداولة، أي: تداولنا دواليك، فالكافُ ضميرُ الفاعل، أي: (دوال)، وإنْ كان المصدرُ يُرادُ به الخبرُ فهي في موضعِ المفعول، نحو: (لبَّيك)، أي: أجبتُك.
          وذهبَ الأعلمُ: أنَّ الكافَ حرفُ خطابٍ لا محلَّ لها مِنَ الإعراب؛ كالكاف في (ذلك)، والله أعلم. /
          (ثَلَاثًا): راجعٌ لقول معاذٍ، ويَحتمل أنَّه لقولِه ﷺ أيضًا، فيكونُ مِنَ التنازُعِ.
          (مِنْ قَلْبِهِ): يُمكن تعلُّقُه بـــ(صِدْقًا) فالشَّهادةُ لفظيَّةٌ، وبـــ(يَشْهَدُ) فالشَّهادةُ قلبيَّةٌ، ويُوصفُ الفعلُ بالصِّدقِ باعتبارِ تحرِّي كمالِه، قال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33]، أي: حقَّق ما أوردَه قولًا بما تحرَّاه فعلًا.
          (أَفَلَا أُخْبِرُ؟): العطفُ على مقدَّرٍ بعد الهمزة، أي: أقلتَ ذلك فلا أخبر به؟.
          (فَيَسْتَبْشِرُوا): النُّونُ محذوفةٌ؛ لأنَّ الفاءَ وقعتْ بعدَ النَّفيِ، أوِ الاستفهامِ، أوِ العرْضِ، وفي بعضِها بالنُّونِ، أي: فهُم يستبشرون، وقال شيخُنا في «الفتح»: (في روايةِ أبي ذرٍّ بإثبات النُّونِ، ولبقيَّةِ الرُّواةِ بحذفِها، وهو الجادَّةُ).
          وقال البِرماويُّ: (وعندَ أبي الهيثم بالنُّون).
          وقال الزَّركشيُّ: (وعندَ أبي الهيثم بالنُّون، والأوَّلُ الوجهُ؛ لأنَّ الفعلَ يُنصبُ بعدَ الفاءِ المجابِ بها عَرْضٌ، كقوله: [من البسيط] /
يَا ابْنَ الْكِرَامِ أَلَا تَدْنُو فَتُبْصِرَ مَا                     ...........................
          والرَّفعُ إنَّما يجوزُ إذا قُصِدَ بالفاءِ مجرَّدُ العطفِ؛ كقوله تعالى: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات:36]، أي: فهُم يعتذرون).
          (إِذَنْ): جوابٌ وخبرٌ، أي: إِنْ أخبرتَهم يتَّكِلوا. /


[1] (قوله): ليس في (ب).
[2] في (ب): (بنيا)، وهو تصحيف، والمثبت من (أ) ومصدره.
[3] قوله: (أي: إلبابًا بعدَ إلباب) ضرب عليه في (ب).
[4] في النسختين: (لبَّي)، والمثبت هو الصواب.