مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي الكناني

          سُراقةُ بنُ مالكِ بنِ جُعشُمٍ المُدلِجيُّ الكِنانيُّ ☺
          يُكْنى: أبا سُفيانَ، كانَ يَنزلُ قُدَيداً، يُعدُّ في أهلِ المدينةِ، وروى الحسَنُ أنَّ رسُولَ اللهِ صلعم قال لسُراقةَ بنِ مالكٍ: ((كيفَ بك إذا لبِستَ سِوارَي كِسْرى؟)) فلمَّا أُتيَ عمرُ بسِوارَي كِسْرى ومِنطَقَتِه وتاجِه دعا سُراقةَ بنَ مالكٍ، فألبسَه إياها، وقال له: ارفَعْ يدَيك، فقال: اللهُ أكبرُ، الحمدُ للهِ الذي سلبَهما كِسْرى بنَ هُرمُزَ الذي كانَ يقولُ: أنا ربُّ النَّاسِ، وألبَسَهما سُراقةَ بنَ مالكٍ أعرابيًّا، ورفعَ عُمرُ بهمَا صَوتَه، وكانَ سُراقةُ شاعِراً مُجيداً، وهو القائلُ لأبي جهلٍ:
أبا حكَمٍ واللهِ لو كنْتَ شَاهداً                     لأمْرِ جَوادِي إذْ تسُوخُ قَوائمُهُ
علِمْتَ ولم تُشكِّكْ بأنَّ محمَّداً                     رسُولٌ ببُرهَانٍ فمَنْ ذا يُقاوِمُه
علَيكَ بكَفِّ القَومِ عنهُ فإنَّنِي                     أرَى أمرَه يَوماً فتَبدُو مَعالِمُه
بأمرٍ يودُّ النَّاسُ فيهِ بأسرِهِم                     بأنَّ جَمِيعَ النَّاسِ طُرًّا يُسَالِمُه
          توفِّيَ سُراقةُ سنةَ أربعٍ وعشرين في صدرِ خلافةِ عُثمانَ، وقيل: بعد عُثمانَ(1).
          وهو ممَّن انفردَ بالرِّوايةِ عنه البخاريُّ دونَ مسلمٍ.
          عنه قال: جاءنا رسلُ كفَّارِ قريشٍ، يجعلونَ في رسُولِ صلعم وأبي بكرٍ ☺ دِيةَ كلِّ رجلٍ منهما، لمن قتلَه وأسرَه(2)، فبينَا أنا جَالسٌ في مجلسٍ من مجَالسِ قَومِي بني مُدْلِجٍ، أقبَلَ رجلٌ منهُم حتَّى قامَ علينَا ونحنُ جُلوسٌ، فقالَ: يا سُراقةُ، إنِّي قد رأيتُ آنفاً أسوِدةً بالسَّاحلِ، أراها محمَّدًا وأصحابَهُ، قال سراقةُ: فعرفْتُ أنَّهم هُم، فقلتُ له: إنَّهم ليسُوا بهم، لكنَّك(3) رأيتَ فلاناً وفلانًا، انطلقُوا بأعيننا، ثمَّ لبثتُ في المجلسِ ساعةً، ثمَّ دخلْتُ فأمرتُ جارِيتِي أنْ تخرجَ بفَرسِي وهي من وراءِ أكَمَةٍ فتحبسُها عليَّ، وأخذْتُ رُمحِي، فخرجْتُ من ظهرِ البيتِ، فخطَطْتُ بزُجِّهِ الأرض، وخفضْتُ عاليَه، حتى أتيتُ فرسِي فركبتُها، فرفعتُها تُقرِّبُ بي، حتَّى دنَوتُ منهم، فعثرَتْ بي فرَسِي، فخررْتُ عنها، فقمْتُ(4) فأهوَيتُ بيدِي إلى كنَانَتي، فاستخرجْتُ منها الأزلامَ، فاستقسَمْتُ بها: أضرُّهُم أم لا؟ فخرجَ الَّذي أكرَهُ، فركبْتُ وعصيْتُ الأزلامَ، تُقَرِّبُ بي، حتَّى إذا سمعْتُ قراءةَ رسُولِ الله صلعم وهو لا يلتفْتُ، وأبو بكرٍ ☺ يكثرُ الالتفَاتَ، ساخَتْ يدا فرَسِي في الأرضِ، حتى بلغَتَا الرُّكبتَين، فخَرَرْتُ عنها، ثمَّ زجَرْتُها فنهضَتْ، فلم تكدْ تخرجُ يدَاهَا، فلمَّا استَوتْ قائمةً إذَا لأثَرِ يدَيها عُثَانٌ سَاطعٌ في السَّماء مثلُ الدُّخَانِ، فاستقسمْتُ بالأزلامِ، فخرَجَ الَّذي أكرَهُ، فناديتُهُم: الأمانَ فوقفُوا، فركبْتُ فرسِي حتى جئتُهم، ووقعَ في نفسِي حين لقيتُ ما لقيْتُ من الحبْسِ عنهم أن سيظهرَ أمرُ رسولِ الله صلعم، فقلتُ له: إنَّ قومَك قد جعلوا فيك الدِّيَةَ، وأخبرتُهُم أخبارَ ما يريدُ النَّاس بهم، وعرضْتُ عليهم الزَّادَ والمتاعَ، فلم يرزآنِي ولم يسألانِي إلَّا أن قالَا: ((أخْفِ عنَّا)) فسألتُه أن يكتبَ لي كتابَ أمْنٍ، فأمرَ رسولُ الله صلعم عامرَ بن فُهَيرةَ فكتبَ(5) في رُقْعةٍ من أُدْمٍ، ثمَّ مضَى رسولُ اللهِ صلعم.


[1] من قوله: ((يكنى أبا سفيان ... إلى قوله: ...وقيل بعد عثمان)): ليس في (ز) و(ف).
[2] في (ز) و(ف): ((أو أسره)).
[3] في (ز) و(ف): ((ولكنك)).
[4] ((فقمت)): ليس في (ف).
[5] في الأصل: ((وكتب)).