مطلع النيرين المختصر من الصحيحين

سعد بن معاذ الأشهلي

          سعْدُ بنُ معَاذِ بنِ النُّعْمَانِ(1) الأشهليُّ ☺
          يكنى: أبا عَمرٍو، وأمُّه كبشَةَ بنتِ رافعٍ لها صُحبة، أسلمَ بالمدينةِ بينَ العقبَةِ الأولى والثَّانيةِ على يدَي مصعَبِ بن عُميرٍ، فأسلمَ بنو عبدِ الأشهلِ بسَببِ إسلَامِهِ، وهُم أوَّل بيتٍ من الأنصَارِ أسلمُوا شهدَ بدراً وأحداً والخندقَ، ورُمِيَ يومَ الخندَقِ بسهمٍ فعاشَ شهراً ثمَّ انتفَضَ جرحُهُ فماتَ منه، والَّذي رمَاهُ حبَّان بنُ العَرِقَة؛ اسمُ أمِّه، فقال النبيُّ صلعم: ((عَرَّقَ اللهُ وجهَهُ في النَّارِ))، ورُمِيَ يومَ الأحزابِ فقطعُوا بحجَلةٍ فحسمَهُ رسولُ اللهِ صلعم، فانتفخَتْ يدُهُ ونزفَهُ الدَّمُ، فلمَّا رأى ذلك قالَ: اللَّهمَّ لا تخرِجْ نفَسِي حتى تقَرَّ عَينِي في بنِي قُريظَةَ، فاستمسَكَ عِرْقُه، فما قطرَ قطرَةً حتَّى نزلَ بنُو قُريظَةَ على حكمِهِ، وكانَ حُكمُهُ فيهِم أن تقتَلَ رجَالهُم، وتُسبَى نسَاؤهُم، وذُرِّيتُهم يستعينُ بها المسلمون.
          وقال رسولُ اللهِ له إذْ حكمَ فيهِم بذلك: ((لقد حكمْتَ بحكْمِ اللهِ من فوقِ سبْعِ سمَاواتٍ))، وكانَ بنُو قريظَةَ أربعمائة، فلمَّا فرَغَ من قتلِهِم انفتَقَ عرقُهُ فماتَ، ولما ماتَ قال النَّبيُّ صلعم: ((لقَد نزلَ من الملائكَةِ في جنَازةِ سعدِ بنِ معَاذٍ سبعونَ ألفَ ملكٍ ما وَطِئوا الأرضَ قبلُ)).
          وكانَ طِوَالاً ضَخْماً فقيلَ: ما أخفَّ جنازَتَه، فقال النبيُّ صلعم: ((حملتْهُ الملائكةُ)) وقالتْ عائشةُ: كانَ في بني عبدِ الأشهلِ ثلاثةٌ لم يكنْ بعدَ النبيِّ صلعم من المسلمين أحدٌ أفضل منهم: سعدُ بنُ معاذٍ، وأسيدُ بنُ حُضِيرٍ، وعبَّاد بنُ بشرٍ.
          وقال رسولُ الله صلعم: ((لو نجَا أحدٌ من ضغطَةِ القَبرِ نجَا منها سعدُ بنُ معَاذ)) ورُوي أنَّ سعداً لما ماتَ من جرحهِ نزلَ جبريلُ ◙ معتَجراً بعمَامةٍ من إستبرَقَ، وقال: يا نبيَّ اللهِ مَن هذا فُتِحَتْ له أبوابُ السَّماء واهتزَّ له العرشُ، فخرجَ رسولُ اللهِ صلعم سريعاً يجرُّ ثوبَهُ فوجدَ سعداً قد قُبِضَ.
          ورُوي عن ابن عبَّاسٍ أنه قال: قالَ سعدُ بنُ معاذٍ: ثلاثٌ أنا فيهنَّ رجلٌ _يعنِي: كما ينبغِي_ وما سوَى ذلك فأنا رجلٌ من الناسِ: ما سمعْتُ من رسُولِ الله صلعم حَديثاً قطُّ إلَّا علمْتُ أنَّه حقٌّ من اللهِ، ولا كنتُ في صلاةٍ قطُّ فشغلْتُ نفسِي بغيرِهَا حتَّى أقضِيهَا، ولا كنتُ في جنازَةٍ قط فحدَّثتُ نفسِي بغيرِ ما تقولُ ويقالُ لها حتَّى انصرِفَ عنهَا.
          قال سعيدُ بنُ المسيِّبِ: هذه الخصَالُ ما كنتُ أحسبُها إلَّا في نبيٍّ.
          توفِّي سنة خمسٍ من الهجرةِ(2).
          وهو ممَّن انفردَ بالروايةِ عنه البخاريُّ دون مسلمٍ.
          عنه: أنَّه قالَ(3) كانَ صديقاً لأميَّةَ بن خَلَف، وكان أميَّةُ إذا مرَّ بالمدينة نزلَ على سعد، وكان سعدٌ إذا مرَّ بمكةَ نزل على أميَّةَ، فلما قدم النَّبي صلعم المدينة انطلق سعدٌ معتمرًا، فنزل على أميَّةَ بمكةَ، فقال لأميَّة: انظرْ لي ساعةً، لعلِّي أطوفُ بالبيت، فخرجَ به قريباً من نصفِ النَّهار، فلقيَهما / أبو جهلٍ فقال: يا أبا صفوانَ، من هذا معك؟ فقال: هذا سعدٌ، فقال له أبو جهل: ألَا أراَك تطوفُ بمكةَ آمناً، وقد أويتُم الصُّبَاةَ، وزعمْتُم أنَّكم تنصُرُونَهم وتُعينُونهم، أمَا واللهِ لولا أنَّك مع أبي صفوانَ ما رجعْتَ إلى أهلك سالماً، فقال له سعدٌ ورفعَ صوتَه عليه: أمَا والله، لئن منعْتَني هذا لأمنعَنَّك ما هو أشدُّ عليك منه: طريقَك على المدينةِ، فقال له أميَّةُ: لا ترفَعْ صَوتَكَ، يا سعدُ، على أبي الحَكَمِ سيِّد أهل الوادِي، فقال سعد: دعنا عنك يا أميَّةُ، فوالله لقد سمعتُ رسُولَ اللهِ صلعم يقول: ((إنَّه قاتِلُك)) قال: بمكةَ؟ قلتُ: لا أدري، ففزِعَ لذلك أميَّةُ فزعًا شديداً، فلمَّا رجعَ أميةُ إلى أهله قال: يا أمَّ صفوانَ، ألم تري ما قال لي سعدٌ؟ قالت: وما قال لك؟ قال: زعمَ أنَّ محمدًا أخبرَهم أنه قاتِلي. فقلت له: بمكَّةَ؟ قال: لا أدري، فقال أميةُ: والله لا أخرج من مكةَ.
          فلمَّا كانَ يوم بدرٍ، استنفَرَ أبو جهلٍ، فقال: أدركُوا عِيرَكم، فكره أميةُ أن يخرجَ، فأتاه أبو جهلٍ فقال: يا أبا صفوانَ، إنَّك متى ما يراك النَّاس قد تخلَّفت وأنت سيِّدُ أهل الوادي تخلَّفوا معك، فلم يزلْ أبو جهل حتى قال: أمَا إذْ غلبتَني فوالله لأشتريَنَّ أجودَ بعيرٍ بمكةَ. ثمَّ قال أمية: يا أمَّ صفوانَ: جهِّزيني.
          فقالت له: يا أبا صفوان، وقد نسيتَ ما قال لك أخوك اليثربيُّ؟ قال: لا، ما أريدُ أن أكونَ معَهم إلا قريباً. فلمَّا خرج أميَّةُ أخذ لا ينزلُ منزلاً إلا عقَلَ بعيرهُ، فلم يزلْ بذلك حتى قتلَه اللهُ ببدرٍ.
          وفي رواية نحوَه: وفيها فغضبَ سعدٌ فقال: دعنا منك؛ فإنِّي سمعت محمداً صلعم يزعُم أنه قاتِلك. قال: إيَّايَ؟ قال: نعمْ. قال: واللهِ ما يكذبُ محمَّدٌ إذا حَدَّثَ، فرجعَ إلى امرأتِهِ وذكرَ نحوه.


[1] ((ابن النعمان)): ليس في (ز) و(ف).
[2] من قوله: ((يكنى أبا عمرو وأمه... إلى قوله: خمس من الهجرة)): ليس في (ز) و(ف).
[3] ((قال)): ليس في (ز) و(ف).