هداية الساري لسيرة البخاري

في رجوعه إلى بخارى ومحنته مع أميرها وخروجه منها ووفاته

           ░12▒ ذِكْرُ رُجُوعِ البُخَارِيِّ إلى بُخَارَى
          وَمِحْنَتِهِ مَعَ أَمِيرِهَا خَالدِ بْنِ أَحْمَدَ
          وَإِخْرَاجِهِ مِنْهَا، وَوَفَاتِهِ غَرِيبًا
          قَرَأْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ المُنَجَّا، عَن أَبي الرَّبِيعِ ابْنِ قُدَامَةَ: أَنَّ أَبَا عَبدِ اللهِ الحَافِظَ أَخْبَرَهُ، عن السِّلَفِيِّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ البَرَدَانِيُّ: أَخْبَرَنَا هَنَّادٌ النَّسَفِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الحَافِظُ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ المُقْرِئَ يَقولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ بَكْرَ بْنَ مُنِيرٍ(1) يَقولُ: بَعَثَ الأَمِيرُ خَالدُ بْنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالي بُخَارَى إلى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ / أَن: احْمِلْ إِلَيَّ كِتَابَ «الجَامِعِ» وَ«التَّارِيخِ» وَغَيْرَهُمَا؛ لأَسْمَعَ مِنْكَ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ لِرَسُولِهِ: أَنَا لا أُذِلُّ العِلْمَ! وَلَا أَحْمِلُهُ إلى أَبْوَابِ السَّلَاطِينِ! فَإِنْ كانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلى شَيْءٍ مِنْهُ فَلْيَحْضُرْنِي في مَسْجِدِي أَوْ في دَارِي، فَإِنْ لَمْ يُعْجِبْكَ هَذَا فَأَنْتَ سُلْطَانٌ، فَامْنَعْنِي مِنَ المَجْلِسِ؛ لِيَكُونَ لِي عُذْرٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ لِأَنِّي لَا أَكْتُمُ العِلْمَ. قَالَ: فَكانَ ذَلِكَ سَبَبَ الوَحْشَةِ بَيْنَهُمَا .
          وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الشِّيرَازِيُّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ: لَـمَّا قَدِمَ أَبُو عَبدِ اللهِ البُخَارِيُّ بُخَارَى نُصِبَتْ لَهُ القِبَابُ عَلَى فَرْسَخٍ مِنَ البَلَدِ، وَاسْتَقْبَلَهُ عَامَّةُ أَهْلِ البَلَدِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَذْكُورٌ، وَنُثِرَ عَلَيه الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، فَبَقِيَ مُدَّةً. قَالَ: ثُمَّ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَمِيرِ، فَأَمَرَهُ بِالخُرُوجِ مِنْ بُخَارَى. قَالَ: فَتَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبدِ اللهِ! كَيْفَ تَرَى هَذَا اليَوْمَ مِنَ اليَوْمِ الَّذي نُثِرَ عَلَيْكَ ما نُثِرَ؟! فَقَالَ: / لَا أُبَالي إِذَا سَلِمَ لِي دِينِي. قَالَ: فَخَرَجَ إِلى بِيكَنْدَ .
          قُلْتُ: وَرَجَعَ مِنْهَا إِلى سَمَرْقَنْدَ، فَأَقَامَ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا يُقالُ لَهَا: خَرْتَنْكَ .
          وَكَانَ الَّذي أَعَانَ الأَمِيرَ على إِخْرَاجِهِ أَنَّهُ كَاتَبَ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الذُّهْلِيُّ: أَنَّهُ تَكَلَّمَ عِنْدَنَا في مَسْأَلَةٍ مُبْتَدَعَةٍ، فَأَخْرَجْنَاهُ مِنْ نَيْسَابُورَ. فَأَمَرَ الأَمِيرُ أَهْلَ البَلَدِ أَنْ يَنْقَطِعُوا عن البُخَارِيِّ، فَأَبَوْا، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ / مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، فَقَصَّرُوا عَنْهُ ، وَتَعَصَّبَ عليه حُرَيْثُ بنُ أبي الوَرْقَاءِ إِمَامُ أَهْلِ الرَّأْيِ بِبُخَارَى بِسَبَبِ المذْهَبِ إلى أَنْ أُخْرِجَ مِنَ البَلَدِ .
          قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ العَبَّاسِ الضَّبِّيَّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ ابْنَ أبي عَمْرٍو الحَافِظَ يَقولُ: كانَ سَبَبَ مُفَارَقَةِ أبي عَبدِ اللهِ البَلَدَ أَنَّ خَالدَ بْنَ أَحْمَدَ _أَمِيرَ بُخَارَى نِيَابَةً عن الطَّاهِرِيَّةِ _ سَأَلَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَنْزِلَهُ فيقْرَأَ «الجَامِعَ» وَ«التَّارِيخَ» عَلَى أَوْلَادِهِ، فَامْتَنَعَ، فَرَاسَلَهُ أَن: اجْمَعْ أَوْلَادِي مَجْلِسًا لَا يَحْضُرُهُ(2) غَيْرُهُمْ. فَامْتَنَعَ؛ فَقَالَ: لَا يَسَعُنِي أَنْ أَخُصَّ(3) بِالسَّمَاعِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ. /
          فَاسْتَعَانَ خَالِدُ بْنُ أَحْمَدَ(4) بِحُرَيْثِ بنِ أبي الوَرْقَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ بُخَارَى حَتَّى تَكَلَّمُوا في البُخَارِيِّ، فَنَفَاهُ عن البَلَدِ. قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ؛ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَرِهِمْ ما قَصَدُونِي بِهِ في أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَأَهَاليهِمْ. فَأَمَّا خَالدٌ؛ فَلَمْ يَأْتِ عَلَيه إِلَّا أَقَلُّ مِنْ شَهْرٍ حَتَّى وَرَدَ أَمْرُ الطَّاهِرِيَّةِ بِأَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ، فَنُودِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى أَتَانٍ، فَأُخْرِجَ عَلَى إِكَافٍ، ثُمَّ صَارَ أَمْرُهُ إلى ما اشْتَهَرَ _يَعْنِي مِن الذُّلِّ وَالحَبْسِ_ إِلى أَنْ مَاتَ بِبَغْدَادَ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ . وَأَمَّا حُرَيْثُ بنُ أبي الوَرْقَاءِ؛ فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَهْلِهِ، فَرَأَى فيهَا ما يَجِلُّ عن الوَصْفِ. وَأَمَّا فُلَانٌ_أَحَدُ القَوْمِ، وَسَمَّاهُ _ فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَوْلَادِهِ، فَأَرَاهُ اللهُ فيهِمُ البَلَايَا .
          [قَالَ وَرَّاقُهُ: وَكانَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يقولونَ لَهُ](5) : إِنَّ فُلَانًا يَقَعُ / فيكَ!؟ فيَقولُ:{ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا } [النساء:76].
           وَيَقولُ: { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ } [فاطر:43].
          قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقولُ: لَمْ يَتَعَرَّضْ لَنَا أَحَدٌ قَطُّ مِنْ أَفْنَاءِ النَّاسِ إِلَّا رُمِيَ بِقَارِعَةٍ وَلَمْ يَسْلَمْ.
          وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : سَمِعْتُ عَبدَ القُدُّوسِ بْنَ عَبدِ الجَبَّارِ السَّمَرْقَنْدِيَّ يَقولُ: خَرَجَ البُخَارِيُّ إِلى خَرْتَنْكَ _قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى سَمَرْقَنْدَ_ وَكَانَ لَهُ فِيهَا أَقْرِبَاءُ، فَنَزَلَ عِنْدَهُمْ، فَسَمِعْتُهُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالي _وَقَدْ فَرَغَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ_ يَدْعُو، يَقولُ في دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ. قَالَ: فَمَا تَمَّ الشَّهْرُ حَتَّى قَبَضَهُ اللهُ، وَقَبْرُهُ بِخَرْتَنْكَ.
          قُلْتُ: هِيَ بِفَتْحِ الخَاءِ المُعْجَمَةِ، وَإِسْكانِ الرَّاءِ، وَفَتْحِ التَّاءِ المُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ، وَإِسْكانِ النُّونِ، وَبَعْدَهَا كَافٌ .
          وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أبي حَاتِمٍ وَرَّاقُ البُخَارِيِّ : سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُورٍ غَالبَ / بْنَ جِبْرِيلَ _وَهُوَ الَّذي نَزَلَ عَلَيه أَبُو عَبدِ اللهِ البُخَارِيُّ بِخَرْتَنْكَ(6) _ يَقولُ: إِنَّهُ أَقَامَ أَيَّامًا، فَمَرِضَ، وَاشْتَدَّ بِهِ المَرَضُ، حَتَّى وُجِّهَ إِلَيْهِ رَسُولٌ مِنْ سَمَرْقَنْدَ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ(7) ، فَلَمَّا وَافَى تَهَـيَّأَ لِلرُّكُوبِ، وَلَبِسَ خُفَّيهِ وَتَعَمَّمَ، فَلَمَّا مَشَى قَدْرَ عِشْرِينَ خُطْوَةً أَوْ نَحْوَهَا، وَأَنَا آخِذٌ بِعَضُدِهِ، وَرَجُلٌ آخَرُ مَعِي؛ نَقُودُهُ إلى الدَّابَّةِ لِيَرْكَبَهَا، فَقَالَ ☼ : أَرْسِلُونِي؛ فَقَدْ ضَعُفْتُ. فَدَعَا بِدَعْوَاتٍ، وَاضْطَجَعَ، فَقَضَى، فَسَالَ مِنْهُ عَرَقٌ لَا يُوصَفُ، وَكانَ أَوْصَانَا أَنْ نُكَفِّنَهُ في ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، لَيسَ فيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، فَفَعَلْنَا، فَلَمَّا دَفَنَّاهُ فَاحَ مِن تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةُ غَالِيَةٍ أَطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، فَدَامَ ذَلِكَ أَيَّامًا، ثُمَّ عَلَتْ سَوَارِي بِيضٌ في السَّمَاءِ مُسْتَطِيلَةٌ بِحِذَاءِ قَبْرِهِ، وَجَعَلَ النَّاسُ تَجِيءُ إلى القَبْرِ وَيَرْفَعُونَ مِنْ تُرَابِهِ إِلى أَنْ حَوَّقْنَا عَلَيهِ خَشَبًا مُشَبَّكًا، وَأَمَّا رِيحُ الطِّيبِ فَدَامَ أَيَّامًا كَثِيرَةً، وَظَهَرَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِ أَمْرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَأَظْهَرُوا النَّدَمَ وَالتَّوْبَةَ.
          قَالَ الوَرَّاقُ: وَلَمْ يَعِشْ أَبُو مَنْصُورٍ غَالبٌ(8) بَعْدَهُ إِلَّا القَلِيلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إلى جَانِبِهِ. /
          وَقَالَ الوَرَّاقُ : سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ(9) يَقولُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ حَاتِمٍ الخُلْقَانِيَّ في النَّوْمِ، وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَسَأَلْتُهُ عن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ: رَأَيْتُهُ. وَأَشَارَ إلى السَّمَاءِ إِشَارَةً كَادَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا؛ لِعُلُوِّ مَا يُشِيرُ.
          وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَكِّيٍّ الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبدَ الوَاحِدِ بْنَ آدَمَ الطَّوَاوِيسِيَّ يَقولُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم في النَّوْمِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ في مَوْضِعٍ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ: ما وُقُوفُكَ يَا رَسُولَ اللهِ هُنَا؟ قَالَ: أَنْتَظِرُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ. فَلَمَّا كان بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتُهُ، فَنَظَرْتُ(10)، فَإِذَا هُوَ قَدْ مَاتَ في السَّاعَةِ التِي رَأَيْتُ فيهَا النَّبِيَّ صلعم.
          قَالَ مَهِيبُ بْنُ سُلَيْمٍ الكَرْمِيْنِيُّ(11) : مَاتَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ عِيدِ الفِطْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِئَتَيْنِ .
          وَهَكَذَا قَالَ الحَسَنُ بْنُ الحُسَيْنِ البَزَّازُ في تَارِيخِ وَفَاتِهِ، قَالَ: وَعَاشَ / اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً إِلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا .
          وَفي هَذِهِ السَّنَةِ أَرَّخَهُ ابْنُ قَانِعٍ وَابْنُ زَبْرٍ وَغَيْرُهُمَا .
          وَنَقَلَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ الاتِّفَاقَ عَلَيْهِ .
          قُلْتُ: وَقَدْ ظَفِرْتُ بِشَارِدَةٍ بَارِدَةٍ: ذَكَرَ مَسْلَمَةُ بْنُ(12) قَاسِمٍ الأَنْدَلُسِيُّ [في «صِلَتِهِ»](13) : أَنَّ البُخَارِيَّ تُوُفي يَوْمَ السَّبْتِ مُسْتَهَلَّ رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ / وَخَمْسِينَ وَمِئَتَيْنِ.
          قُلْتُ: وَهُوَ خَطَأٌ فَاحِشٌ، لَمْ أَذْكُرْهُ إِلَّا لِغَرَابَتِهِ .
          وَقَالَ الحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الجَيَّانِيُّ الغَسَّانِيُّ في كِتَابِ «تَقْيِيدِ المُهْمَلِ» : أَخْبَرَنَا(14) أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بْنُ الحَسَنِ التُّنْـــكَـتِيُّ(15) السَّمَرْقَنْدِيُّ _قَدِمَ عَلَيْنَا(16) بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِ مِئَةٍ_ قَالَ: قَحَـِطَ المَـطَرُ عِنْدَنَا بِسَمَرْقَنْدَ في بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتَسْقَى النَّاسُ مِرَارًا فَلَمْ يُسْقَوْا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالحٌ مَعْرُوفٌ بِالصَّلَاحِ إِلى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رَأْيًا، أَعْرِضُهُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: / وَمَا هُوَ؟ قَالَ: أَرَى أَنْ تَخْرُجَ وَيَخْرُجَ النَّاسُ مَعَكَ إلى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيِّ، وَتَسْتَسْقِي عِنْدَهُ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَسْقِيَنَا. قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ ما رَأَيْتَ! فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتَسْقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَوْا عِنْدَ القَبْرِ، وَتَشَفَّعُوا بِصَاحِبِهِ، فَأَرْسَلَ اللهُ تَعَالى السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيمٍ غَزِيرٍ، أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجْلِهِ بِخَرْتَنْكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَهَا؛ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ الوُصُولَ إلى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغَزَارَتِهِ! / هَذِهِ سِيرَةٌ يَسِيرَةٌ، وَإِنْ كانتْ في القَدْرِ أَمِيرَةٌ، وَحَدِيقَةٌ نَضِيرَةٌ يَجْلُو فيهَا [القَارِئُ ضَميرَه]، وَقَطْرَةٌ مِنْ غَيْمٍ وَابِلٍ، في مَنَاقِبِ هَذَا الإِمَامِ الكَامِلِ، دَالَّةٌ عَلَى عَظِيمِ مَرَاتِبِهِ في الدَّارَيْنِ، وَجَلالةِ قَدْرِهِ في الخَافِقَيْنِ، [وَهِيَ وإِنْ قَيَّدْتُ مَا جاءَ فِيها] عَفْوًا، [إلَّا أَنِّي] لَمْ أَرَ لَهُ مِثْلَهَا [كُفْواً]، وَجَعَلْتُهَا تَذْكِرَةً [لِي وَلِمَن قَبِلَهَا مِن الإِخْوان](17) ، فَوَالَى اللهُ عَلَيه الغُفْرَانَ وَالرِّضْوَانَ، وَسَقَى ضَرِيحَهُ السَّحَابَ الثَّمِينَ ما اخْتَلَفَ الجَدِيدَانِ، وَاتَّفَقَ الفَرْقَدَانِ(18) .
          آخِرُ هِدَايَةِ السَّارِي لِسِيرَةِ البُخَارِيِّ
          قَالَ مُؤَلِّفُهَا:
          عَلَّقَهَا جَامِعُهَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ العَسْقَلَانِيُّ، وَكان تَأْلِيفُهَا وَتَبْيِيضُهَا في الجُمُعَةِ الثَّالثَةِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِ مِئَةٍ، وَالحَمْدُ للهِ الَّذي هَدَانَا لِهَذَا، وَصَلَّى اللهُ على سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. /


[1] تصحَّفت العبارة في الأصل إلى: (أبا سعد بكر بن نمير)، والتصويب من مصادر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق ومقدمة فتح الباري: ص 687، وينظر لترجمته الإكمال: 7/293.
[2] تصحَّفت في الأصل إلى: (ليحضره)؛ فقلَبَت المعنى، والعبارة في مصادر الرواية: (أنْ يَعقِدَ مَجْلِساً لأَولادهِ...)، وهي بمعنًى.
[3] تصحَّفت في الأصل إلى: (أحضر)، والتصويب من مصادر الرواية موافقٌ لما في مقدمة فتح الباري: ص 688.
[4] انقلَب اسمُه في الأصل إلى: (أحمد بن خالد)، والتصويب من مصادر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/440، ومقدمة فتح الباري.
[5] ما بين المعقَّفتين سَقطَ من الأصل، ولا تستقيمُ العبارةُ إلَّا به، وقد استدركناه من سير أعلام النبلاء: 12/461.
[6] تحرَّفت في الأصل إلى: (بخراسان)، والتصويب من تغليق التعليق: 5/440، ومقدمة فتح الباري: ص 688.
[7] تصحَّفت في الأصل إلى: (إليه)، والتصويب من مقدمة الفتح.
[8] في الأصل:(غالباً)، وهو خطأ، وينظر لترجمة غالبٍ المتَّفق والمفتَرِق للخطيب البغداديِّ : 3/1764.
[9] كذا في الأصل، والذي في مصدر الرواية: (أبا ذَرٍّ)، ولم يتحَرَّر لي الصوابُ.
[10] تحرَّفت في الأصل إلى: (فسرت)، والتصويب من سير أعلام النبلاء موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/441، ومقدمة فتح الباري: ص 688، والذي في سائر مصادر الرواية: (فنظرنا).
[11] تصحَّف في الأصل إلى: (منهب بن سلم الكرابيسي)! والتصويب من مصادر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/441، ومقدمة فتح الباري: ص 688.
[12] تصحَّفت في الأصل إلى: (أن).
[13] مكانَ ما بين المعقَّفتين في الأصْلِ كَلِمَةٌ غيرُ واضحةٍ، والمثبت _اجتهاداً_ هو الأقرب للسِّياق، والله أعلم.
[14] كذا في الأصل، بإسقاط الواسطة بين أبي عليٍّ الغَسَّانيِّ وبين التُّنْكَتيِّ، وهو موافقٌ لما في السِّير وتاريخ الإسلام وطبقات الشافعية، وهو خطأٌ؛ مخالِفٌ لِما في «تقييد المُهْمَل»؛ حيث روى أبو عليٍّ هذه الحكايةَ عن شيخِه الحافظ أبي الحسَن طاهرِ بنِ مُفَوِّزٍ المَعَافِريِّ عن التُّنْكَتيِّ، وينظر لترجمة ابن مفَوِّز وأبي عليٍّ سير أعلام النبلاء _تِباعاً_: 19/88 و148.
[15] تصحَّفت في الأصل إلى: (التشكتي)، وهي نسبةٌ إلى بَلْدةٍ من أعمال الشَّاش، ينظرلترجمته الأنساب للسَّمْعانيِّ: 3/88، وسير أعلام النبلاء: 19/90.
[16] كذا في الأصل تبعاً للسِّير ومَن نَقَل عنه؛ وهو خطأٌ مركَّبٌ على الخطأ الذي سَبَقَ التنبيه إليه، والذي في «تقييد المهمَل» والصِّلَة: (عليهم)، وهو الصوابُ.
[17] ما بين المعقَّفات بياضٌ في الأصل، رَمَّمناه بِما يقارب قصدَ المؤلف، والله أعلم.
[18] تصحَّفت في الأصل إلى: (العرضان)، والتصويب على ما يوافقُ طَريقةَ المؤلف في استخدام هذه العبارة؛ ينظر لذلك مقدمة لسان الميزان: 1/2 (ط الهند)=1/189 (ط أبي غُدَّة)، والجديدان: الليل والنهار، والفَرْقَدان: نَجمان في السَّماءِ لا يَفْتَرِقان، ينظر جَنَى الجَنَّتين للمُحِبِّيِّ: ص33 و86.