حياة البخاري

سيرته وأخلاقه

          سيرته وأخلاقه:
          روى غُنْجَار في «تاريخه» عن أبي سعيد بكر بن مُنِير قال: سمعتُ البخاريَّ يقول: كنتُ أستغل في الشهر خمس مئة درهم فأنفقها في الطَّلب، وما عند الله خيرٌ وأبقى.
          وقال مرَّة: ما توليتُ شراء شيءٍ قطُّ ولا بيعه، كنت آمُرُ إنسانًا فيشتري لي. قيل له: ولمَ؟ قال: لِمَا فيه من الزيادة والنقصان والتخليط.
          وحُمِلَ إليه بضاعةٌ أنفذَها إليه أبو حفص فاجتمع بعض التجار إليه بالعشيَّة وطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم، فقال لهم: انصرفوا الليلة. فجاءه من الغد تجَّار آخرون فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف درهم، فردَّهم، وقال: إنِّي نويتُ البارحةَ أنْ أدفعها إليهم، وقال: لا أحب أنْ أنقض نيتي.
          وقال ورَّاقه: كان البخاريُّ يركب إلى الرمي كثيرًا، فما أعلم أنِّي رأيته في طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلَّا مرتين، بل كان يُصيب في كلِّ ذلك ولا يسبق.
          وقال ورَّاقه أيضًا: سمعتُه يقولُ: لا يكون لي خصم في الآخرة، فقلت: إنَّ بعض النَّاس ينقمون عليك «التاريخ» يقولون: فيه اغتياب النَّاس. فقال: إنَّما روينا ذلك روايةً، ولم نقله من عند أنفسنا، قدْ قالَ النَّبيُّ صلعم : «بئس أخو العشيرة».
          وكان يقولُ: ما اغتبتُ أحدًا قطُّ منذ علمتُ أنَّ الغيبةَ حرامٌ.
          قال الحافظ ابنُ حجر: وللبخاريِّ في كلامه على الرجال توقٍّ زائد وتحرٍّ بليغ، يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل، فإنَّ أكثر ما يقول: سكتوا عنه، فيه نظر، تركوه، ونحو / هذا، وقلَّ أن يقول: كذاب، أو وضاع، وإنَّما يقول: كذَّبه فلان، رماه فلان، يعني: بالكذب.
          وقال ورَّاقه: كنا بفِرَبْر، وكان أبو عبد الله يبني رِباطًا مما يلي بخارى، فاجتمع بشرٌ كثيرٌ يُعينونه على ذلك، وكان ينقل اللَّبِن فكنت أقول له: يا أبا عبد الله، إنَّك تُكفى ذلك. فيقول: هذا الذي ينفعني.
          وقال: كان البخاريُّ قليلَ الأكل جدًا، كثيرَ الإحسان إلى الطَّلبة، مُفْرِطَ الكرم.
          وكان يقرأ في السَّحَر ما بين النِّصف إلى الثُّلث من القرآن، فيختم عند السَّحَر في كلِّ ثلاث ليالٍ، وكان يختم بالنَّهار في كلِّ يومٍ ختمة.
          وكان يصلي في وقت السَّحَر ثلاث عشرة ركعة، يُوتر منها بواحدة.
          ورفع إنسان من لحيته قَذَاةً وطرحها إلى الأرض في المسجد، فمدَّ يده فرفع القَذَاةَ من الأرض فأدخلها في كمِّه، فلمَّا خرج من المسجد طرحها، فكأنَّه صان المسجدَ عمَّا تُصان عنه لحيتُه.