إضاءة الدراري شرح صحيح البخاري

كتاب الأذان

          ( بسم الله الرحمن الرحيم) كذا ثبتت البسملة في غير رواية ابن عساكر كما في الفرع وأصله قاله القسطلاني: وقال شائع عصري كذا ثبتت لابن عساكر، وسقطت لغيره فانقلبت عليه الرواية.
          ░░10▒▒ (كتاب الأذان) وفي ((الفتح)): أبواب الأذان، وهو لغة الإعلام قال الله تعالى: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ} [التوبة:3] واشتقاقه من الأَذَن _ بفتحتين _ وهو الاستماع.
          وشرعاً: الإعلام بوقت مخصوص بألفاظ مخصوصة.
          قال في ((الفتح)): قال القرطبي: الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة؛ لأنه بدئ فيه بالأكبر وهي تتضمن وجود الله وكماله ثم ثنى بالتوحيد ونفي الشريك ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلعم ثم بالدعاء إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة؛ لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ثم بالدعاء إلى الفلاح وهو البقاء الدائم.
          وفيه الإشارة إلى المعاد ثم أعادها توكيداً وتحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الجماعة وإظهار شعائر الإسلام، والحكمة في اختيار القول له دون الفعل سهولة القول وتسيره لكل أحد في كل زمان ومكان.
          واختلف أيهما أفضل الأذان أو الإمامة ثالثها أن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فهي أفضل وإلا فالأذان، وفي كلام الشافعي ما يومئ إليه.
          واختلف أيضاً في الجمع بينهما فقيل: يكره وفي البيهقي من حديث جابر مرفوعاً النهي عن ذلك لكن سنده ضعيف وصح عن عمر: ((لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت)) رواه سعيد بن منصور وغيره، وقيل: هو خلاف الأولى، وقيل: يستحب وصححه النووي انتهى.
          وقال ابن المنير: أعرض البخاري عن التصريح بحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين فأثبت مشروعيته وسلم من الاعتراض.
          وقد اختلف في ذلك ومنشأ الاختلاف: أن بدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلعم بين أصحابه حتى استقر برؤيا بعضهم فأقره كان ذلك بالمندوبات أشبه ثم لما واظب عليه، ولم ينقل أنه تركه ولا رخص في تركه كان بالواجبات أشبه انتهى.
          ░1▒ (باب بَدْءُ الأَذَانِ) بسكون الدال المهملة بعدها همزة؛ أي: ابتدائه ولأبي ذر والأصيلي: <بدو الأذان> وأسقطا لفظ: <باب>.
          (وَقَوْلُهُ) بالرفع أو بالجر عطفاً على المضاف رفعاً أو على المضاف إليه جراً، وللأصيلي: <وقول الله> (╡: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ}) أي: أذنتم داعين ({إِلَى الصَّلاَةِ}) المكتوبة أضاف النداء إليهم جميعاً مع أن المنادى واحد غالباً؛ لأنهم لما أجابوه فكأنهم أذنوا معه ({اتَّخَذُوهَا}) أي: اتخذ الكفار حين سمعوا النداء الصلاة أو المناداة لها ({هُزُواً وَلَعِباً} [المائدة:58]) أي: يهزؤون بالصلاة ويلعبون بها، وفيه دليل على أن الأذان مشروع للصلاة.
          قال في ((الفتح)): يشير بهذه الآية إلى أن ابتداء الأذان كان بالمدينة، وقد ذكر بعض أهل التفسير: أن اليهود لما سمعوا الأذان قالوا: لقد ابتدعت يا محمد شيئاً لم يكن فيما مضى فنزلت: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ} [المائدة:58] الآية.
          ({ذَلِكَ}) أي: اتخاذهم لها هزواً ولعباً أو استهزاؤهم بها ({بِأَنَّهُمْ}) أي: بسبب أنهم ({قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ} [الحشر:14]) عظم عبادة الله تعالى وما يترتب على المستهزئ بها من الانتقام فإن السفه يؤدي إلى الجهل بالحق والاستهزاء به والعقل يمنع عن ذلك.
          روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي أنه قال: ((كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المؤذن ينادي أشهد أن محمد رسول الله قال: أحرق الله الكاذب، فدخل خادمه ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شرارة فأحرقت البيت فاحترق هو وأهله)).
          وقال في ((الكشاف)): قيل: فيه دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده انتهى.
          وقال الزهري: قد ذكر الله تعالى التأذين في هذه الآية.
          (وَقَوْلُهُ تعالى) بالرفع والجر على ما مر ({إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ}) أي: أذن لها عند جلوس الإمام على المنبر للخطبة ({مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:9]) قال البيضاوي: ((من)) بيان لـ: ((إذا)).
          أقول: وجعلها في ((المغني)) بمعنى في وتحتمل أيضاً التبعيض قال الكرماني: فإن قلت: ما الفرق بين الآيتين من النداء إليها والنداء لها؟ قلت: صلات الأفعال تختلف بحسب مقاصد الكلام فقصد في الأولى معنى الانتهاء، وفي الثانية معنى الاختصاص، وللأصيلي: <الآية>؛ لأن فيها: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ} [الجمعة:9] فقيل: ذكر الله الخطبة، وقيل: الصلاة.
          قال في ((الفتح)): واختلف في السنة التي فرض فيها الأذان والراجح: أن ذلك كان في السنة الأولى وقيل: كان في السنة الثانية.
          وروي عن ابن عباس: أن فرض الأذان نزل مع هذه الآية أخرجه أبو الشيخ انتهى.
          والتعبير بالفرضية للتأكيد لندبه؛ لأنه من شعار الدين ولا ينافي أن بدء الأذان كان بالمدينة ما ورد من الأحاديث الدالة على أنه كان بمكة قبل الهجرة، منها ما للطبراني: عن ابن عمر قال: ((لما أسري بالنبي أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه بلالاً)).
          ومنها ما للدارقطني في ((الأفراد)): عن أنس: أن جبريل أمر النبي صلعم بالأذان حين فرضت الصلاة.
          ومنها لابن مردويه: عن عائشة مرفوعاً: ((لما أسري بي أذن جبريل فظنت الملائكة أنه / يصلي بهم فقدمني فصليت)).
          ومنها للبزار وغيره عن علي: ((لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها: البراق فركبها))، فذكر الحديث.
          وفيه: ((إذ خرج ملك من الحجاب فقال: الله أكبر الله أكبر))، وفي آخره: ((ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء))، وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضاً ويمكن على تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة.
          وأما قول القرطبي: لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعاً في حقه ففيه نظر لقوله في أوله: ((لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان)).
          وكذا قول: المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على المعنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضاً لتصريحه بكيفيته المشروعة.
          ولقول صاحب ((الفتح)): والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث وقد جزم ابن المنذر بأنه صلعم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد وبفرض صحة هذه الأحاديث يكون سماعه للأذان اتفاقياً من غير قصد إلى شرعيته.
          وقد حاول السهيلي الجمع بينهما فتكلف وتعسف، والأخذ بما صح أولى فقال: بانياً على صحة الحكم في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي صلعم سمعه فوق سبع سموات وهو أقوى من الوحي، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت فرأى الصحابي في المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلعم سمعه فقال إنها لرؤيا حق.
          وعلم حينئذ أن مراد الله بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض ويقوي ذلك بموافقة عمر؛ لأن السكينة تنطق على لسانه، والحكمة أيضاً في إعلام الناس به على غير لسانه صلعم للتنويه بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخر لشأنه انتهى ملخصاً.
          والثاني: حسن بديع ويؤخذ عدم الاكتفاء برؤيا عبد الله بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها لكن قد يقال فلم لا اقتصر على عمر؟ ويمكن أن يجاب: ليصير في معنى الشهادة ومما يكثر السؤال عنه أنه فعل باشر النبي صلعم الأذان بنفسه.
          ذكر في ((الفتح)): إن لم يصح في ذلك شيء وما أوهم ذلك فمؤول.