إضاءة الدراري شرح صحيح البخاري

كتاب العلم

          ░░3▒▒ (كتاب العلم) إنما قدم هذا الكتاب على سائر الكتب التي بعده؛ لأن مدار تلك الكتب كلها على العلم وقدم عليه كتاب الإيمان؛ لأن الإيمان أول واجب على المكلف، أو لأنه أفضل الأمور على الإطلاق وأشرفها، وكيف لا وهو مبدأ كل خير علماً وعملاً ومنشأ كل كمال دقاً وجلاً.
          وأما تقديم كتاب الوحي؛ فلتوقف معرفة الإيمان وجميع ما يتعلق بالدين عليه، أو لأنه أول خير نزل من السماء إلى هذه الأمة، كذا في الكرماني.
          والعلم لغة: مصدر علمت الشيء أعلمه علماً إذا عرفته، قاله الجوهري.
          قال العيني: فهذا كما ترى لم يفرق بين العلم والمعرفة، والفرق بينهما ظاهر؛ لأن المعرفة إدراك الجزئيات والعلم إدراك الكليات، ولهذا لا يجوز أن يقال: الله عارف كما يقال عالم. انتهى.
          وفيه نظر، إذ مقتضاه أنه لا يقال: الله عارف؛ لأن المعرفة إدراك الجزئيات، والله تعالى لا يدرك الجزئيات فيمتنع إطلاق المعرفة عليه، وهذا مذهب الفلاسفة، ومذهب المتكلمين أن علمه تعالى يتعلق بالكليات والجزئيات كما هو مقرر في محله.
          نعم: لا يقال الله عارف، لكن لا لما ذكره، بل لأن المعرفة تقال: للإدراك المسبوق بالعدم، أو للأخير من الإدراكين لشيء واحد إذا تخلل بينهما عدم بأن أدرك أولاً، ثم ذهل عنه، ثم أدرك ثانياً والعلم للإدراك المجرد من هذين الاعتبارين، ولذا يقال: الله تعالى عالم ولا يقال عارف، كذا في ((المطول)) فهذان وجهان تفارق فيهما المعرفة العلم.
          ووجه ثالث ذكره في ((المطول)) أيضاً: وهو أن المعرفة تقال لإدراك البسيط والعلم لإدراك المركب، ولهذا يقال: عرفت الله دون علمته. انتهى.
          والفرق من هذه الوجوه هو المشهور.
          وعند البعض: لا فرق بين العلم والمعرفة وعلى هذا، فإنما لا يقال: الله عارف؛ لعدم وروده في كلام الشارع، وكذا يقال في علمت الله، واختلفوا في العلم هل يحد أو لا؟.
          فقيل: لا يحد لعسر تحديده وهو قول إمام الحرمين والغزالي، وقيل: لا يحد؛ لأنه ضروري وهو قول الفخر الرازي وعند من يقول أنه يحد فالأصح الحدود فيه أنه صفة من صفات النفس توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض في الأمور المعنوية فقوله صفة جنس لتناوله لسائر صفات النفس وقوله توجب تمييزاً احتراز عما لا يوجب تمييزاً كالحياة وقوله لا يحتمل النقيض احتراز عن مثل الظن وقوله في الأمور المعنوية يخرج إدراك الحواس؛ لأن إدراكها في الأمور الظاهرة المحسوسة، كذا في العيني.
          وفي ((الفتح)): قال القاضي أبو بكر ابن العربي: بدأ المصنف بالنظر في فضل العلم قبل النظر في حقيقته وذلك لاعتقاده أنه في غاية الوضوح فلا يحتاج إلى تعريف، أو لأن النظر في حقائق الأشياء ليس من فن الكتاب وكل من العذرين ظاهر؛ لأن البخاري لم يضع كتابه لحدود الحقائق وتصويرها بل هو جار على أساليب العرب القديمة فإنهم يبدؤون بفضيلة المطلوب للتشويق إليه إذا كانت حقيقته مكشوفة معلومة.
          وقد أنكر ابن العربي في ((شرح الترمذي)) على من تصدى لتعريف العلم، وقال: هو أبين من أن يبين. انتهى.
          ( ♫)
كذا في رواية الأصيلي وكريمة وغيرهما، ولأبي ذر وغيره: ثبوتها قبل كتاب.
          قال في ((الفتح)): وليس في رواية المستملي لفظ باب ولا في رواية رفيقيه؛ أي: السرخسي والكشميهني لفظ: كتاب العلم.