إضاءة الدراري شرح صحيح البخاري

كتاب الجمعة

          ░░11▒▒ (كِتَابُ الْجُمُعَةِ بسم الله الرحمن الرحيم) قال في ((الفتح)): ثبتت هذه الترجمة للأكثر ومنهم من قدمها على البسملة، وسقطت لكريمة وأبي ذر عن الحموي انتهى.
          وقال القسطلاني: كتاب الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم، كذا ثبتت البسملة هنا في رواية الأكثرين، وقدمت في رواية وسقطت لكريمة ولأبي ذر عن الحموي انتهى.
          فانظر ما بين الكلامين من التدافع فإن مقتضى ما في ((الفتح)) أن البسملة مقدمة للأكثر عكس ما في القسطلاني.
          وكلام القسطلاني يقتضي أن الذي سقط لكريمة وأبي ذر هو البسملة، وكلام ((الفتح)) صريح في أنه الترجمة ؛ لأنها المحدث عنه والقول ما قالت حذام.
          ووافقه على ذلك العيني فقال: وليست هذه الترجمة موجودة في رواية كريمة وأبي ذر، وأنا أظن أن الوهم سرى إليه من عبارة ((الفتح)) بإرجاعه ضمير سقطت إلى البسملة لا إلى الترجمة فليتأمل.
          قال العيني: والجمعة بضم الميم على المشهور، وحكى الواحدي: إسكان الميم وفتحها وقرئ بها في الشواذ انتهى.
          أقول: وبه يعلم ما في قول القسطلاني وبفتحها ولم يقرأ به انتهى.
          اللهم إلا أن يكون مراده أنه لم يقرأ به في المتواتر. وقال الزجاج: قرئ بكسرها أيضاً.
          وقال الفراء: خففها الأعمش ونقلها عاصم وأهل الحجاز، وقال الأزهري: من ثقل أتبع الضمة ومن خفف فعلى الأصل والقراء قرؤوها بالتثقيل.
          وفي الموعب من قال: بالتسكين، قال في جمعة جمع، ومن قال: بالتثقيل قال: في جمعة جمعات كذا في العيني.
          واختلف في تسمية هذا اليوم بالجمعة فروي عن ابن عباس ☻ أنه قال: ((إنما سمي يوم الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم ◙)).
          وروى ابن خزيمة عن سلمان مرفوعاً: ((يا سلمان ما تدري يوم الجمعة؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: به جمع أبوك أو أبوكم)).
          وفي ((الأمالي)) لثعلب: إنما سمي يوم الجمعة لأن قريشاً كانت تجتمع إلى قصي في دار الندوة.
          وقيل: لأن كعب بن لؤي كان يجمع فيه قومه فيذكرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم، ويخبرهم بأنه سيبعث منه نبي.
          روى ذلك ابن الزبير في ((كتاب النسب)) عن أبي سلمة عبد الرحمن مقطوعاً.
          وقال ابن حزم: هو اسم إسلامي ولم يكن في الجاهلية، إنما كان يسمى في الجاهلية العروبة فسمي في الإسلام الجمعة ؛ لأنه يجتمع فيه للصلاة اسماً مأخوذاً من الجمع.
          وفي تفسير عبد بن حميد: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: جمع أهل المدنية قبل أن يقدم رسول الله صلعم المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة وهم اللذين سموها الجمعة، وذلك أن الأنصار قالوا: لليهود يوم يجتمعون فيه كل سبعة أيام، وكذا للنصارى فهلم فلنجعل يوماً نجتمع فيه ونذكر الله تعالى ونصلي ونشكره، فجعلوا يوم العروبة، وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العروبة / فاجتمعوا إلى أسعد فصلى بهم ركعتين وذكرهم فسموا الجمعة حين اجتمعوا إليه وذبح لهم أسعد شاة فتغدوا وتعشوا من شاة، وذلك لقلتهم فأنزل الله في ذلك بعد {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة:9] الآية انتهى.
          وقال ابن وهب ويحتمل أن يكون هذا الاجتماع من الأنصار كان باجتهادهم قبل قدوم مصعب إليهم، ثم لما قدم مصعب عليهم جمع بهم بأمر النبي صلعم وكان الإسلام حينئذ قد ظهر وفشا وكان يمكن إقامة شعار الإسلام في المدينة.
          وأما اجتماع الأنصار قبل ذلك فكان في بيت أسعد بن زرارة قبل ظهور الإسلام في المدينة، وفشوه وكان باجتهاد منهم لا بأمر النبي صلعم . انتهى.
          وقال: قبل ذلك، ونص أحمد أيضاً على أن أول جمعة جمعت في الإسلام الجمعة التي جمعت بالمدينة مع مصعب بن عمير.
          وتبين بهذا أن الجمعة فرضت بمكة ولم تقم لاستيلاء المشركين على مكة إذ ذاك. انتهى ملخصاً.
          وقال الزجاج والفراء وأبو عبيد وأبو عمرو: وكانت العرب العاربة تقول ليوم السبت شيار، وليوم الأحد أول وليوم الإثنين أهون وليوم الثلاثاء جبار وللأربعاء دبار وللخميس مؤنس وليوم الجمعة العروبة، وأول من نقل العروبة إلى يوم الجمعة كعب بن لؤي. انتهى. وقد جمعت أسماؤها في الجاهلية في قوله:
أؤمل أن أعيش وإن يومي                     بأول أو بأهون أو جبار
أو التالي دبار فإن أفتّه                     فمؤنس أو عروبة أو شيار
          قال في ((الفتح)): قد ذكر ابن القيم في الهدى ليوم الجمعة اثنين وثلاثين خصوصية هيبتها وأنها يوم عيد ولا يصام يومها منفرداً وقراءة {آلم . تَنزِيلُ} [السجدة:1-2] و{هَلْ أَتَى} [الإنسان:1] في صبحها.
          و((الجمعة)) و((المنافقون)) فيها، والغسل لها والطيب والسواك ولبس أحسن الثياب و تبخير المسجد والتبكير والاشتغال بالعبادة حتى يخلص الخطيب، والخطبة والإنصات وقراءة ((الكهف)).
          ونفي كراهية النافلة وقت الاستواء، ومنع السفر قبلها وتضعيف أجر الذاهب إليها بكل خطوة أجر سنة.
          ونفي تسجير جهنم في يومها وساعة الإجابة، وتكفير الآثام وأنها يوم المزيد والشاهد والمدخر لهذه الأمة وخير أيام الأسبوع، وتجتمع فيه الأرواح إن ثبت الخبر فيه وذكر أشياء أخر فيها نظر، وترك أشياء يطول تتبعها انتهى ملخصاً.
          وقد أفرد الحافظ السيوطي ذلك برسالة وزاد على ابن القيم بعد أن قال ابن القيم ذكر لها خصوصيات بضعاً وعشرين خصوصية أضعاف ما ذكر.
          قال: فحصله منها نحو مئة خصوصية وذكرها:
          منها: قراءة سورة الدخان يومها وليلتها وذكر أحاديثها.
          ومنها: قراءة سورة يس ليلتها وذكر الأحاديث الواردة فيها.
          ومنها: قراءة سورة آل عمران وذكر فيها حديثاً ضعيفاً.
          ومنها: قراءة سورة هود وأورد فيها حديثاً.
          ومنها: قراءة سورة البقرة وآل عمران ليلتها وأورد فيهما حديثين.
          ومنها: الذكر الموجب للمغفرة قبل صبح يومها.
          أخرج الطبراني في ((الأوسط)) وابن السني عن أنس قال: ((قال لي رسول الله صلعم: من قال قبل صلاة الغداة يوم الجمعة ثلاث مرات أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر)).
          ومنها: أنه يوم العتق أخرج أبو يعلى عن أنس قال: ((قال رسول الله صلعم: إن يوم الجمعة وليلة الجمعة أربعة وعشرون ساعة ليس فيها ساعة إلا ولله فيها ستمئة ألف عتيق كلهم قد استوجبوا النار)). أخرجه البيهقي في الشعب بلفظ: ((إن لله في كل جمعة ستمئة ألف عتيق)).
          ومنها: حصول الشهادة لمن مات فيه، أخرج حميد بن زنجويه من مرسل إياس بن بكير: أن رسول الله صلعم قال: ((من مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد ووقي فتنة القبر)).
          وأخرج من مرسل عطاء قال: ((قال رسول الله صلعم ما من مسلم أو مسلمة يموت ليلة الجمعة أو يوم الجمعة إلا وقي عذاب القبر ولقي الله ولا حساب عليه وجاء يوم القيامة وله شهود يشهدون له)).