الأجوبة المستوعبة عن المسائل المستغربة

حديث: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر إلا الإقامة

          الحديث التَّاسع: حديث ابن عُليَّة عن خالد الحذَّاء، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ قَالَ: (أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ) قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَذَكَرْتُ لِأَيُّوبَ فَقَالَ له: إِلَّا [الْإِقَامَةَ]. [خ¦607]
          وقلتَ: ما معنى استثناء هذه اللَّفظة؟ وإن كانت من الحديث أم لا؟ وما معنى ترك مالك ☼ تكرار قوله: (قد قامت الصَّلاة)؟
          فالجواب أنَّ هذه اللفظة صحيحةٌ رواها حمَّادُ بن زيد وإسماعيل، وهما أثبت أصحاب أيُّوب، رويا عنه عن أبي قِلابة عن أنس قال: (أُمِرَ بلالٌ أنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وَيُوْتِرَ الإِقَامَةَ [إلَّا الإِقَامَةَ]) كذا(1) رواية أيُّوب لهذا الحديث، وهو أثبت مِنْ كلِّ مَن روىَ هذا الحديث لا يقاسُ به خالد ولا غيره، / وزيادة مثله مقبولة عند الجميع.
          وأمَّا قوله: «إِلَّا الإقامة»؛ فلا(2) يختلف العلماء من أهل الفقه والأثر ممَّن يقول بهذا الحديث وبما في معناه من الأحاديث أنَّ معنى قوله: (قد قامت الصلاة) تثنَّى مرَّتين.
          والناس في هذا على وجهين؛ طائفةٌ تقول بإفراد الإقامة إلَّا قوله: (قد قامت الصلاة) فإنِّهم يثبتونها مرَّتين بهذا الحديث وغيره، منهم الشافعي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، ويحيى بن يحيى النَّيسابوريُّ صاحب مالك، وأبو ثور، وهو مذهب الحسن البصريِّ، ومكحول والزهريُّ، وعلى هذا ولد أبي محذورة ومؤذِّنو مكَّة إلى اليوم كما ذكروا كلُّهم؛ يقول: (قد قامت الصَّلاة) مرَّتين، وتفرد(3) دون سائر الإقامة، واختلف في تربيعه في الأذان، وأمَّا التهليل المختوم به في الأذان والإقامة فلا خلاف أنّه لا يثنَّى في أذان ولا إقامة.
          وطائفة أخرى تقول: (قد قامت الصلاة) مرَّتين، لأنَّها تثنِّي(4) الأذان كلَّه إلَّا التكبير فإنَّها تربِّعه، والإقامة تثنِّيها كلُّها من أوَّلها / إلى آخرها حاشى التهليل، وهذا قول الكوفيين.
          وقال مالك: لا يقول المؤذِّنون: (قد قامت الصلاة) إلِّا مرَّةً واحدةً، وذكروا أنَّ ولد سعد القَرَظِ(5) مؤذِّن رسول الله صلعم وأبي بكر وعمرَ يؤذِّنون بالمدينة حتَّى الآن؛ يقولون: (قد قامت الصلاة) مرَّةً واحدةً، وأهل الحجاز والشام على تثنية الأذان ووتر الإقامة إلَّا مالكًا، فإنَّه يقول: (قد قامت الصلاة) مرَّة واحدة، وغيره يقولها مرَّتين، وقد كان الشافعي يقول ببغداد (قد قامت الصلاة) في الإقامة مرَّةً واحدةً، ذكره الزعفرانيُّ عنه، وقال: إنَّ بني محذورة يقولونها مرَّتين، ثمَّ رجع بمصر إلى قولها مرَّتين.
          ومن حجَّة من قال: (قد قامت الصلاة) مرَّتين أيضًا؛ ما رواه شعبة عن أبي جعفر مؤذِّن مسجد العريان قال: سمعتُ أبا المثنَّى مسلم بن المثنَّى يقول: سمعت ابن عمر يقول: (إنَّما كان الأذان على عهد رسول الله صلعم مرَّتين مرَّتين، والإقامة مرَّةً مرَّةً، غير أنَّه يقول: (قد قامت الصَّلاة) مرَّتين)، هذا قاطع في موضع الخلاف.
          فأمَّا ترك مالك ☼ / لتكرير (قد قامت الصلاة) مرَّتين؛ لأنَّ الأذان والإقامة عنده ممَّا لا يحتاج فيه إلى أخبار الخاصَّة العدول؛ لأنَّه ممَّا يقع في اليوم واللَّيلة خمس مرَّات، وليست من الأشياء التي تقع نوادر يُحتاج فيها إلى نقل الخاصَّة الآحاد العدول، والأذان والإقامة عنده مأخوذان عن العمل المتواتر بدار الهجرة والسُّنَّة، وأصل مالك في الأخبار ألَّا يقبل ما عارضه مثل هذا وشبهه.
          ولعمري؛ لقد تُدفَع كثير من أخبار الخاصَّة بأضعف من هذا العمل، على أنَّ خبر أبي قلابة عن أنس انفرد به أيضًا أهل البصرة، وقد يجوز ألَّا يسمع مالك به، ولا يسمع برواية أيُّوب وزيادته، وإن قال: كان قد سمعه وعلَّه؛ فالجواب عندي على أصله كما(6) ذكرت لك، والله أعلم.


[1] في الأصل: (ولا).
[2] في الأصل: (هكذا).
[3] أي تفرد بالتثنية.
[4] في المخطوط: (بين).
[5] في المخطوط: (القرض).
[6] في الأصل: (ما).