الأجوبة المستوعبة عن المسائل المستغربة

حديث: بينما الناس بقباء في الصلاة إذ جاءهم آت فأخبرهم

          الحديث الثامن: حديث ابن عمر: «بَيْنَما النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي الصَّلَاةِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَأَخْبَرَهم أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ القِبْلةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ» [خ¦403]، وقلتَ: وكأنَّه لم ير عليهم إعادة ما كانوا / صلَّوا قبل أن يستديروا إلى(1) الكعبة.
          فالجواب أنَّ هذا حديث صحيح، وهو أصل فيمن فعل ما أُمر به، ثمَّ طرأَ عليه ما يدخل عليه فيه أنَّه لا ينقض فعله، وهو أصلنا فيمن طلب الماء واجتهد ولم يجده فتيمَّم وأحرم بالصَّلاة ثمَّ طرأ عليه الماء؛ أنَّه يتمادى ولا شيء عليه؛ لأنَّه فَعل ما أُمر به، ولم يكن عليه غير ذلك.
          وكذلك مَن اجتهد في طلب القبلة يمنةً ويسرةً أنَّه يميل إليها ويتمادى في صلاته؛ لأنَّه لم يكن عليه أكثر ممَّا فعل، وكذلك إذا استدبرها أيضًا ثمَّ بان له ذلك في صلاته استدار وبنى، وفي هذا اختلاف، والصحيح أنَّه لا فرق بين التشريق والتغريب وبين الاستدبار، وحديث ابن عمر كان بالمدينة، ومن استقبل بيتَ المقدس بالمدينة؛ استدبر الكعبة، والصحابة ♥ استداروا في ذلك وبنوا، فلا وجه لما خالف ذلك.
          وأمَّا الإعادة على مَن صلَّى إلى غير القبلة مجتهدًا؛ فغير واجبة عند أكثر العلماء، ومن قال بوجوبها في / الوقت فهو مُسْقِطها أيضًا لكنَّه يستحبُّ الإعادة؛ لأنَّ الإعادةَ لو كانت واجبةً ما أسقطها خروج الوقت، وأمَّا مَن صلَّى إلى غير القبلة متعمِّدًا أو غير مجتهدٍ؛ فالإعادة عليه عند العلماء أبدًا؛ لأنَّه ترك فرضًا من فروض الصَّلاة عامدًا فلا صلاة له، وهذا الحديث أصل في معان كثيرة من الفقه.


[1] لفظة: (إلى) ضرب عليها في الأصل.