الأجوبة المستوعبة عن المسائل المستغربة

حديث: كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا

          والحديث الرَّابع: حديثُ أمِّ عطيَّة قالتْ: (كُنَّا لَا نَعُدُّ الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ(1) شَيْئًا)، [خ¦326]، وثبت أنَّ مالكًا يقول _ولم يختلف قوله في ذلك_: (إنَّ الصُّفرة والكُدرة حيضٌ في أيَّام الحيض وفي غير أيَّامه)، فالجواب عن ذلك أنَّ مالكًا ☼ لم يختلف قوله: (إنَّ الصُّفرة والكُدرة حيضٌ في أيَّام الحيض وبإثره)، واختلف قوله / في ذلك في غير أيَّام الحيض، والقول الأوَّل أشهر عنه.
          وأمَّا حديث أمِّ عطيَّة؛ فحديثٌ انفرد به أهل البصرة [وأجيب] أنَّ الأحاديث عنده الحديث(2) لم يلزمه عملٌ؛ لأنَّ العمل إنَّما يلزم المقبول من الشَّهادات والأخبار، على أنَّ خبر أمِّ عطيَّة [غير] لازمٍ العمل به على كلِّ حالٍ؛ لأنَّها لم تُضِفْ إلى رسول الله صلعم، ولا أخبرت أنَّ رسول الله صلعم استُفتي عن ذلك فأجاب بما قالته، ولا فيه أنَّ رسول الله صلعم عَلِمَ ذلك، وقد خالفتها عائشة أمُّ المؤمنين وأسماء ╢، فكانتا(3) لا تصلِّيان حتَّى تريا البياض، والنَّظر يشهد لهذا القول؛ لأنَّ المرأة إذا كانت حائضًا بيقينٍ ثمَّ انقطع عنها الدَّم وبقيت الصُّفرة والكدرة، ومعلومٌ أنَّها من بقايا الدَّم؛ فالواجب ألَّا تخرج من حكم الحيض المتيقَّن إلَّا بيقين الطَّهارة، ولا يقين إلا بالنَّقاء، وكلُّ دمٍ يظهر من الرَّحم فالواجبُ أن يتركَ له الصَّلاة، ومن أنصف؛ بان له أنَّ الصُّفرة والكُدرة من الدَّم، وقد قال صلعم: «فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ؛ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ»، وقد يجوز أن يكون أمامها صُفرةٌ / وغير صفرةٍ، وابتداء الحيض ضعيفٌ ثمَّ يقوى بعدُ، وهذا عند النِّساء معروفٌ، والكلام في هذا واضحٌ، فلا وجه فيه للإطالة، وقال عبد الله بن غانمٍ: قلت لمالكٍ: إنَّا لم نكد نرى الصُّفرة والكدرة شيئًا، ولا نرى ذلك إلَّا في الدَّم الغَبِيط، فقال مالكٌ: (وهل الصُّفرة والكدرة إلَّا دمٌ؟)، ثمَّ قال: (إنَّ هذا البلد إنَّما كان العمل فيه بالنُّبوَّة، وإنَّ غيرهم إنَّما العمل فيهم(4) بأمر الملوك)، وقد اختلف العلماء في الصُّفرة والكُدرة قديمًا وحديثًا اختلافًا كثيرًا، والصَّوابُ ما قلتُ لك إن شاء الله تعالى، وعليه أكثر الفقهاء بالحجاز والعراق، وبالله العصمة والتَّوفيق.


[1] في الأصل: (الصفُّرة والكدرة).
[2] كذا العبارة في المخطوط، وهي غير مفهومة.
[3] في الأصل: (وكانت).
[4] في الأصل: (منهم).