تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم

حديث: لا إله إلا الله وحده لا شريك له،

          2912- (الجَدُّ) الحظُّ والغِنى والجَلالَةُ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منكَ الجدُّ، أي لا ينفعُ ذا الحظِّ وذا المالُ وذا الجاهُ منك ذلكَ كُلُّهُ إنما ينفعهُ الإيمانُ والطاعَةُ.
          (نَهَى عَنْ قِيْلَ وَقَالَ) قالَ أبو عُبَيْدٍ: فيه تَجَوُّزٌ غَرِيْبٌ، وذلكَ أنه جعَلَ القالَ مصدراً، فكأنَّهُ قال: عن قيلَ وقولَ، يُقالُ: قُلْتُ قَوْلاً وقِيْلاً وقَالاً، وقالَ غَيْرُهُ: لو كانَ هذا لَقَلَّتِ الفائدةُ؛ لأنَّ الثَّاني هو الأولُ، والقيلُ والقالُ عندَهُ بمعنى واحدٍ فأي معنى للنَّهي عن العُمُوْمِ، والأحسنُ أن يكونَ على الحكايةِ فيكونَ النَّهيُ عن القولِ بما لايَصِحُّ وما لا تُعْلَمُ حقيقتُهُ وأن يقولَ المرءُ في حديثِهِ مثل كذا وقالَ قائلٌ كذا، وهو نحوُ الحديثِ الآخرَ الذي فيهِ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوْا» وهو التَّحَدُّثُ بما لا يَصِحُّ وشُغلُ الزَّمانِ بحكايةِ ما لا يُعلمُ صِدقُهُ، وكلُّ زَعْمٍ في كِتابِ الله باطلٌ لأنه كلهُ حِكايةٌ عن الكُّفارِ بما كذبوا فيها، وحَسْبُكَ هذا ذَماً بحكايةِ ما لا يصحُّ من قيل كذا وقال كذا من التكاذيبِ المَذْمُوْمَةِ، وأمَّا من حكى ما يَصِحُّ وتُعْرَفُ حقيقتُهُ وأسنَدَ ذلك إلى معروفٍ بالصِّدقِ والثِّقةِ فلا وجهَ للنهيِّ عنه ولا ذمَّ فيهِ عند / بعضٍ من أهلِ العلمِ.
          وقوله: (عَنْ مَنَعَ وَهَاتِ) هو منعُ ما عليهِ وطلبُ ما ليسَ لهُ إذ لا نَشُكُّ أن مَنْعَ ما لهُ مَنْعُهُ وطلبُ مَا لهُ طَلَبُهُ فغيرُ مَنْهِيٍّ عن ذلكَ ولا ملومٍ فيه بلا خِلافٍ، فلم يبقَ إلا الوجهُ الآخرُ ولا ثالثَ.
          (وَالعُقُوْقُ) معروفٌ، وكذلكَ القطيعَةُ: وهي منعُ ما يجبُ الإتيانُ به من صلةِ الأرحام والبرِّ بهم وحُسن العِشْرَةِ لهم ولسَائرِ الناسِ في جميعِ ما وردَ النَّصُّ به لهم، وخَصَّ الأمهاتِ تخصيصَ التأكيدِ والتعظيمِ وإن كانَ عُقُوْقُ الآباءِ وغيرهُم من ذوي الحقوقِ عَظيماً، ولعقوقِ الأمهاتِ مزيَّةٌ في الشِدَّةِ والقُبحِ وإن كانَ كُلٌّ قبيحاً كما جاءَ في بعضِ الآثارِ: «مَن رَمَانَا بِاللَّيْلِ فَلَيْسَ مِنَّا»، إنما هو تأكيدٌ في النَّهيِّ واستعظامٌ للفعلِ، فإن كانَ الرميُّ بالنهارِ مَنهيٌّ عنهُ فهو باللَّيلِ أشدُّ قُبحاً وأشدُّ نِكَايةً؛ لأنه على غَفلةٍ وفي ظلمةٍ وفي وقتٍ لا يَتَأَتَّى التَّحفُّظُ منه.
          (وَأْدُ البَنَاتِ) هو أن تُدْفَنَ البنتُ حيَّةً كما كانوا يفعلونَ في الجاهليةِ فخصَّ ذلكَ بالذِّكْرِ والنهي تعظيماً له، وإن كانَ وأدُ غيرِ الأقاربِ عظيماً ومنهيّاً عنه فهذا أعظمُ لِوُجُوْهٍ، يُقالُ: وَأَدَتِ الوَائِدَةُ وَلَدَهَا تَئِدُهُ وَأْداً.
          (وَإِضَاعَةُ المَالِ) تبذيرهُ في غيرِ بِرٍّ ولا مَنْفَعَةٍ، أو تركه غير محفوظٍ مع القدرةِ على حِفظِهِ.
          (وَكَثْرَةُ السُّؤَالِ) الإلحاحُ فيما لا حاجةَ له إليهِ، وأما في ما تدعو الضرورةُ إليه فللضَّرورِة حُكْمُ الإباحَةِ على الوجوهِ التي وردت النصوصُ بها، وقد جاءَ في كراهيَةِ السؤالِ وإن قَلَّ حديثُ حكيمِ بْنِ حِزَامٍ، وحَسْبُكَ به لمن قَدَرَ عليهِ.