روح التوشيح على الجامع الصحيح

باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين

          ░83▒ [بابٌ: لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ.]
          (لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ): برفعه خبر معناه نهيٌ؛ أي: ليكن المؤمن حازماً حذراً لئلا يؤتى من نحو الغفلة فيخدعُ مرَّة بعد مرَّة، وبجزمه: نهي، أو: أراد المؤمن الكامل الَّذي أوقعته معرفته على غوامضِ الأمور حتَّى صار يتحرَّى ما سيقع، وأمَّا الغافل فقد يُلدغ مراراً. قيل: فهذا كلام ممَّا لم يُسبق به صلى الله تعالى عليه بآله وسلم، وجُحْر بجيم فحاء كـ((قفل)).
          قلت: إنَّما أرادَ به من يكون رئيساً على المسلمين اثنين فأكثر، فينبغي له الحزم في أمورهم، وعدم الاغترار بكلِّ ما يراه أو يسمعَهُ، وأمَّا غيره في خاصَّة نفسهِ، وأمورِ دنياه فالتَّغافل فيه خيرٌ فهو المراد بالآخر: (المؤمن غرٌّ كريم) وبه يجمع.
          (لاَ حَكِيمَ(1) إِلَّا بِتَجْرِبَة): كـ((تذكرة)) لـ((كش)): <لا حلم إلَّا لذي تجربة>. قال ابن الأثير: معناه: لا يعلم الحليم حتَّى يركب أموراً يعثر فيها فيعتبر بها، أو يتبيَّن أمكنة الخطأ فيجتنبها.
          وغيره: لا يكون حليماً كاملاً إلَّا من وقع في زلَّة فحصلَ منه خطأ فإذاً يخجل، فينبغي لمن هو كذلك أن يسترَ من يراه على عيبٍ ويعفوَ عنه.
          قلت: معتبراً بقوله تعالى: {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء:94].


[1] في الأصل: ((حليم)).