الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: كان النبي يصلي من الليل مثنى مثنى ويوتر بركعة

          995- (مَثْنَى مَثْنَى): بدونِ التنوينِ، وفائدةُ التَّكرارِ التَّأكيدُ، قال في «الكشَّافِ»: (إنَّما لم ينصرفْ لتكرُّرِ العدلِ فيه(1)).
          وقال العلَّامةُ أبو حيَّان: (ما ذهب إليه الزَّمخشريُّ في امتناعها لذلك لا أعلم أحدًا قاله؛ بل المذاهب فيه أربعة...) وذكرها، وسنذكرها بعدَه، وقد يُقال: إنَّ هذا هو المذهبُ الرَّابعُ، وعبَّرَ عن العَدْلِ في المعنى بعدلِها عن تكريرها.
          وناقشَ أبو حيَّان أيضًا الزَّمخشريَّ في مثالِه بقوله: (ينكح المَثْنى) مِنْ وجهينِ:
          الأوَّل: دخولُ (أل) عليها، قال: (وهذا لم يذهبْ إليه أحدٌ؛ بل لم تستعملها العربُ إلَّا نكراتٍ).
          الثَّاني: أنَّه أولاها العواملَ، ولا تلي العواملَ، بل يتقدَّمُها شيءٌ يلي العواملَ، ولا تقعُ إلَّا أخبارًا كهذا الحديثِ، أو أحوالًا كالآيةِ آنفًا، أو صفاتٍ كقولِه تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}[فاطر:1]، وقد استدلَّ بعضُهم على إيلائِها العواملَ على قِلَّةٍ بقولِه: [من الوافر]
ضَرَبْتُ خُمَاسَ ضَرْبَةَ عَبْشَمِيٍّ                     أَدَارَ سُدَاسَ أَلَّا يَسْتَقِيمَا /
          ويمكنُ تأويلُه على حذفِ المفعولِ؛ لفهم المعنى، تقديرُه: ضربتُهُم خُمَاسَ، واللهُ أعلمُ.
          وقال ابنُ مالكٍ:
وَمَنْعُ عَدْلٍ مَعَ وَصْفٍ مُعْتَبَرْ                     فِي لَفْظِ (مَثْنَى) وَ(ثُلَاثَ) وَ(أُخَرْ)
          وقال آخرونَ: للعدلِ والوصفِ.
          وقال ابنُ الملقِّنِ: (وكأنَّها(2) عُدِلتْ مرَّتين، مرَّةً عن صيغةِ «اثنين»، ومرَّةً عن تكرُّرِها، وهي نكرةٌ تُعرَّفُ بلامِ التَّعريفِ، تقول: المثنى، وكذا «ثلاث» و«رُباع»، وموضعُها رفعٌ؛ لأنَّها خبرُ المبتدأِ الَّذي هو قولُه: «صَلَاةُ اللَّيْلِ») انتهى باختصار.
          وقال غيرُه: (هذِه الألفاظُ المعدولةُ فيها خلافٌ، وهل يجوزُ فيها القياسُ أم يُقتصَرُ فيها على السَّماعِ؟ قولانِ:
          قولُ البصريِّينَ: عدمُ القياسِ.
          وقولُ الكوفيِّينَ وأبي إسحاقَ: جوازُه.
          واختلفوا أيضًا في صرفِها وعدمِه، فجمهورُ النُّحاةِ على منعِه، وأجازَ الفرَّاءُ صَرْفَها وإنْ كان المنعُ عندَه أَولى. /
          واختلفوا أيضًا في سببِ منعِ الصَّرفِ فيها على أربعةِ مذاهبَ:
          أَحدِها: مذهبُ سيبويهِ: أنَّها مُنعتِ الصَّرفَ للعدلِ والوصفِ.
          الثَّاني: مذهبُ الفرَّاءِ: وهو العدلُ والتَّعريفُ بنيَّةِ الألفِ واللَّام؛ ولذلك تُمنعُ إضافتُها عندَه؛ لتقدير الألفِ واللَّام، وامتنعَ ظهورُ الألفِ واللَّام عندَه؛ لأنَّها في نِيَّةِ الإضافةِ.
          الثَّالث: مذهبُ أبي إسحاقَ: وهو عدلُها عن عددٍ مكرَّرٍ، وعدلُها عنِ التَّأنيثِ.
          الرَّابع: نقلَه الأخفشُ عن بعضِهم: أنَّه تكرارُ العدلِ.
          ولهذِه المذاهبِ أدلَّةٌ، واعتراضاتٌ، وأجوبةٌ، ليس هذا موضعَها).
          (وَكَأَنَّ الْأَذَانَ): (كأنَّ) مِنْ أخواتِ (إنَّ)، و(الْأَذَانَ) اسمُها.


[1] (فيه): ليست في (ب).
[2] في (ب): (كأنَّها).