الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: إذا قال الإمام {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}

          782- ({غَيْرِ المَغضُوبِ})[الفاتحة:6]: {غَيْرِ}: بدلٌ مِنَ {الَّذِينَ} نكرةٌ مِنْ معرفةٍ، وقيل: نعتٌ لـــ{الَّذِينَ}، وهو مُشكلٌ؛ لأنَّ {غَيْرِ} نكرةٌ، و{الَّذِينَ} معرفةٌ، وأجابوا عنه بجوابينِ:
          الأوَّل: أنَّ (غير) إنَّما يكونُ نكرةً إذا لم يقعْ بينَ ضِدَّينِ، فأمَّا إذا وقع بينَ ضِدَّينِ فقدِ انحصرتِ الغَيْرِيَّةُ، فتتعرَّفُ (غير) حينئذٍ بالإضافةِ، تقولُ: مررتُ بالحركة غيرِ السُّكونِ، والآيةُ مِنْ هذا القبيلِ، وهذا إنَّما يتمشَّى على مذهبِ ابنِ السَّرَّاج، وهو مرجوحٌ.
          الثَّاني: أنَّ الموصولَ أشبَهَ النَّكراتِ في الإبهامِ الَّذي فيه، فعُومِلَ معاملةَ النَّكراتِ.
          وقيل: إنَّ {غَيْرِ} بدلٌ مِنَ المضمرِ المجرورِ في {عَلَيهِمْ}، وهذا يُشْكِلُ على قولِ مَنْ يرى أنَّ البدلَ يَحلُّ محلَّ المبدَلِ منه، ويُنْوى بالأوَّلِ الطَّرْحُ إذْ يلزمُ منه خُلُوُّ الصِّلةِ عنِ العائدِ، أَلَا تَرى أنَّ التَّقديرَ يصيرُ: صراطَ الذينَ أنعمتَ [على] غير المغضوب عليهم.
          و{المَغضُوبِ} خُفِضَ بالإضافةِ، وهو اسمُ مفعولٍ، والقائمُ مَقامَ المفعولِ الجارُّ والمجرورُ، فـــ{عَلَيهِمْ} الأُولى: منصوبةُ المحلِّ، والثَّانية: مرفوعتُه(1)، و(أَلْ) / فيه موصولةٌ، والتَّقديرُ: غيرِ الذينَ غُضِبَ عليهم، والصَّحيحُ في (أَلْ) الموصولةِ: أنَّها اسمٌ، لا حرفٌ.
          وقُرِئَ: ▬غَيْرَ↨ نصبًا، فقيلَ: حالٌ مِنَ {الَّذِينَ}، وهو ضعيفٌ؛ لمجيئِهِ مِنَ المضافِ إليه في غيرِ المواضعِ الجائزِ فيها ذلك، وقيل: مِنَ الضَّميرِ في {عَلَيهِمْ}، وقيل: على الاستثناءِ المنقطعِ، ومَنَعَه الفرَّاءُ، قال: لأنَّ «لا» لا تُزادُ إلَّا إذا تقدَّمها نفيٌ، كقولِه: [من البسيط]
مَا كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللهِ فِعْلَتَها                     وَالطَّيِّبَانِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ
          [33ب]وأجابوا: بأنَّ (لا) صلةٌ زائدةٌ، مثلُها في قولِه تعالى: {أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف:12]، وقولِ الشَّاعرِ: [من الطويل]
أَبَى جُودُهُ لَا الْبُخْلَ وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ                     نَعَمْ مِنْ فَتًى لَا يَمْنَعُ الْجُودَ نَائِلُهْ
          فـــ(لا) في هذِه المواضعِ صلةٌ. /
          وفي هذا الجوابِ نظرٌ؛ لأنَّ الفرَّاءَ لم يقُل: إنَّها غيرُ زائدةٍ، فقولُهم: إنَّ (لا) زائدةٌ وتنظيرُهم لها بالمواضعِ المتقدِّمةِ لا يُفيدُ، وإنَّما تحريرُ الجوابِ أنْ يقولوا: وُجِدَتْ (لا) زائدةً مِنْ غيرِ تقدُّمِ نفيٍ كهذِه المواضعِ المتقدِّمةِ، ويَحتملُ أنْ تكونَ (لا) في قوله: (لا البُخْلَ) مفعولًا به لـــ(أَبَى)، ويكونَ نصبُ (البُخْلَ) على أنَّه بدلٌ مِنْ (لا) [أي]: أبى جودُه قولَ: لا، وقولُ: (لا) هو البخل، ويُؤيِّدُ هذا قولُه: (وَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ نَعَمْ)، فجعلَ (نَعَمْ) فاعلَ (اسْتَعْجَلَتْ) فهو مِنَ الإسنادِ اللفظيِّ، أي: أبى جُودُه هذا اللفظَ، واسْتعجَلَ به هذا اللفظُ.
          وقيل: إنَّ نصْبَ ▬غَيْرَ↨ بإضمارِ: أعني، ويُحكى عنِ الخليلِ.
          وقدَّر بعضُهم بعدَ ▬غَيْرَ↨ محذوفًا، قال: التَّقديرُ: غيرَ صراطِ المغضوبِ، وأطلقَ هذا التَّقديرَ، ولم يقيِّدْهُ بجرِّ ▬غَيْرَ↨ ولا نصبِه، ولا يتأتَّى إلَّا مع نصبِها، وتكونُ صفةً لقولِه: {الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّه متى اجتمعَ البدلُ والوصفُ قُدِّمَ الوصفُ، فالأَولى أنْ يكونَ صفةً لـــ {صِرَاطَ الَّذِينَ}، ويجوزُ أنْ يكونَ بدلًا من {الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}، أو مِنْ {صِرَاطَ الَّذِينَ} إلَّا أنَّه يَلزمُ منه تَكرارُ البدلِ، وفي جوازِه نظرٌ، وليس في المسألةِ نقلٌ، إلَّا أنَّهم قد ذكروا ذلكَ في بدلِ البَداء(2) خاصَّةً، أو حالًا من {الصِّرَاطَ} الأوَّلِ والثَّاني.
          واعلم أنَّه حيثُ جعلْنا (غير) صفةً، فلا بُدَّ مِنَ القولِ بتعريفِ (غير)، أو بإبهامِ الموصوفِ وجريانِه مَجرى النَّكرةِ، كما قُرِّرَ في كتبِ النَّحْو، واللهُ أعلم.
          (وَنَعِيْمٌ المُجْمِرُ): بالرَّفعِ. /


[1] في (ب): (مرفوعةٌ).
[2] في النسختين: (النداء)، ولا يصح.