الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة

          636- (عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَُ): منصوبٌ، نحو: عليكَ زيدًا، أي: الْزَمْهُ، ومرفوعٌ على أنَّه مبتدأٌ، و(عَلَيْكُمْ) خبرُه، ووقعَ في «البخاريِّ»: (عَلَيْكُمْ بِالسَّكِيْنَةِ) بحرفِ الجرِّ، وبدونِها(1).
          قال الزَّركشيُّ: (وفي إدخالِ الباءِ في الرِّوايةِ الأُولى إشكالٌ؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ بنفسِه كقولِه تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [المائدة:105]) انتهى.
          وفي هذا نظرٌ؛ لثبوتِ الباءِ في الأحاديثِ الصحيحةِ؛ كحديثِ: «عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللهِ»، وحديثِ: «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ»، وحديثِ: «عَلَيْكَ بِالْمَرْأَةِ» قالَه لأبي طلحةَ، وغيرِها(2).
          وفي الكتابِ العزيزِ: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [المائدة:105]، الجمهورُ على النَّصبِ، و{عَلَيْكُمْ} هنا يَرفعُ فاعلًا تقديرُه: عليكم أنتُم، واختلفَ النُّحاةُ في الضَّميرِ المتَّصلِ بها وبأخواتِها، نحو: (إليك)، و(لديك)، و(مكانك)، فالصَّحيحُ أنَّه في / موضعِ جرٍّ، كما كان قبل أن تُنقَلَ الكلمةُ إلى الإغراءِ، وهذا مذهبُ سيبويه، والمسألةُ طويلةٌ، وقرأَ نافعٌ ابنُ أبي نُعيمٍ بالرَّفعِ، وتخريجُها على أحدِ وجهينِ:
          إمَّا الابتداءُ، و(عَلَيْكُمْ) خبرُه مقدَّمٌ عليه، والمعنى على الإغراءِ أيضًا، فإنَّ الإغراءَ قد جاءَ بالجملةِ الابتدائيَّةِ، ومنه قراءَةُ بعضِهم: ▬نَاقَةُ اللهِ وَسُقْيَاهَا↨ [الشمس:13]، وهذا تحذيرٌ، وهو نظيرُ الإغراءِ.
          الثَّاني: أنْ يكونَ توكيدًا للضَّميرِ المستترِ في (عَلَيْكُمْ) لأنَّه قائِمٌ مَقامَ الفعلِ، إلَّا أنَّه شَذَّ توكيدُه بـــ(النَّفسِ) مِنْ غيرِ تأكيدٍ بضميرٍ منفصلٍ، والمفعولُ على هذا محذوفٌ تقديرُه: عليكم أنتم أنفسُكم صلاحَ حالِكم، وهدايَتَكم، واللهُ أعلمُ. /
          (فَمَا أَدْرَكْتُمْ): قال الطِّيبيُّ: (الفاء جزاء شرط محذوف، أي: إذا بيَّنتُ لكم ما هو أَولى بكم فما أدركتم فصلُّوا) انتهى.
          أوِ التقدير: إذا فعلتُم فما أدركتُم، أي: إذا فعلتم الذي أمرتُكُم به مِنَ السَّكينةِ وتركِ الإسراعِ(3).


[1] رواية أبي ذرٍّ والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت: (السَّكِينَةَُ) بالفتح والضم، وروايةُ غيرهم وروايةٌ لأبي ذرٍّ: (بالسَّكِينَةِ)، وهي رواية اليونينيَّة، وقوله: (وبدونها): جاء في (ب) عقب الفقرة الآتية خطأً، وانظر «الكواكب الدراري» (5/30).
[2] قوله: (وفي هذا نظر...) إلخ: ليس في (ب)، والاعتراض بتمامه لابن حجر في «فتح الباري» (2/139)، وكذا تعقبه الدماميني في «مصابيح الجامع» (2/291_292).
[3] قوله: (انتهى، أو التقدير...) إلخ: ليس في (ب).