الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة

          614- (اللَّهُمَّ): الأكثرُ أنْ يُحذَفَ حرفُ النِّداءِ، ويُعَوَّضَ عنه الميمُ المشدَّدةُ، فتقولُ: اللَّهُمَّ، وقد يُجمع بينهما في الضَّرورةِ النَّادرةِ، كقولِ أبي خراشٍ الهُذَليِّ: [من مشطور الرجز]
إِنِّي إِذَا مَا حَدَثٌ أَلمــَّـا
أَقُولُ: يَا اللَّهُمَّ يَا اللَّهُمَّا
          (مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ): قال الكِرمانيُّ: (إنْ قلتَ: ما وجهُ نصبِه؟ لامتناعِ أنْ يكونَ مفعولًا فيه؛ لأنَّه مكانٌ غيرُ مبهَمٍ، فلا يجوزُ أنْ تقدِّر «في» فيه؟
          قلتُ: يجوزُ أنْ يُلاحَظَ في البعثِ معنى الإعطاءِ، فيكونُ مفعولًا ثانيًا له، أو / هو مشابِهٌ للمبهَمِ، فله حُكمُه، ثمَّ إنَّ النُّحاةَ جوَّزوا مثلَ: «رميتُ مَرمى زيدٍ»، و«قتلتُ مَقتلَ عمرٍو»، وهذا مِثْلُه.
          وقال الزَّمخشريُّ في «الكشَّاف»: هو منصوبٌ على الظَّرفِ، أي: عسى أنْ يبعَثَك يومَ القيامةِ في مَقامٍ محمودٍ، أو ضُمِّنَ معنى: يُقيمك، ويجوزُ أنْ يكونَ حالًا بمعنى: يبعثك ذا مقامٍ محمودٍ)[30أ] انتهى.
          ويجوزُ في الآيةِ أنَّه مصدرٌ مؤكِّدٌ، وناصبُه مقدَّرٌ، أي: فتقوم مقامًا، وقد وردَ في «ابنِ خزيمة» و«النَّسائيِّ» و«ابنِ حبان» و«سُننِ البيهقيِّ» بالتَّعريف كذا عزاهُ بعضُهم إلى النَّسائيِّ، وفيه كلامٌ ذكرتُه في كلامي على لغات «المنهاج».
          وقال ابنُ القيِّمِ: (وإنَّما نُكِّرَ؛ لأنَّه لمَّا تعيَّن وانحصرَ نوعُه في شخصِه جرى مَجرى المعرفةِ، فوُصف بما(1) تُوصَفُ به المعارفُ، وهذا ألطفُ مِنْ جَعْلِ «الَّذي وعدتَه» بدلًا) انتهى.
          وقد تقدَّمَ الكلامُ في مسألةِ النَّعتِ [خ¦352].
          وقال الطِّيبيُّ: (الموصولُ معَ الصِّلةِ إمَّا بَدَلٌ، أو نصبٌ على المدحِ، أو رفعٌ؛ / بتقديرِ: أعني، أو هو، ولا يجوزُ أنْ يكونَ صفةً للنَّكرةِ، وإنَّما نُكِّرَ؛ لأنَّه أفخمُ وأجزلُ، كأنَّه قيلَ: مقامًا أيَّ مقامٍ! مقامًا يَغْبِطُه الأوَّلون والآخرون، محمودًا تَكِلُّ عن أوصافِه ألسنةُ الحامدينَ).


[1] في النسختين: (بها ما)، والتصحيح من «حادي الأرواح» (ص56).