الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله

          1396- (يُدْخِلُنِي): قال بعضُهم: بالرَّفعِ؛ لأنَّ الجملةَ صفةٌ لقولِه: (بِعَمَلٍ).
          [قوله: (أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي... وَيُبَاعِدُنِي): قال التُّوربشتيُّ: الجزمُ فيهما على جوابِ الأمرِ غيرُ مستقيمٍ روايةً ومعنًى، قلنا: أمَّا الروايةُ فغيرُ معلومةٍ، وأمَّا المعنى فاستقامتُه ما ذكرَه القاضي، قال: وإنْ صحَّ الجزمُ فيه كان جزاءً لشرطٍ محذوفٍ، تقديرُه: أخبرني بعملٍ إنْ عملتُه يُدخلْني الجنَّةَ، [والجملةُ الشرطيَّةُ بأسْرِها صفةٌ لـــ(عملٍ)، أو جوابًا للأمر، وتقديرُه: إنَّ إخبارَ الرسولِ صلعم لمَّا كان وسيلةً إلى عملِه، وعملُه ذريعةً إلى دخولِ الجنَّةِ] كانَ الإخبارُ سببًا بوجهٍ ما / لإدخالِ العملِ إيَّاه الجنَّةَ.
          وقال المُظْهِر: (إذا جُعِل «يُدْخِلني» جوابَ الأمر؛ يبقى «بِعَمَلٍ» غيرَ موصوفٍ، والنكرةُ غيرُ الموصوفةِ لا تُفيدُ؟)، والجوابُ: أنَّ التنكيرَ فيه للتفخيمِ أو النوعِ، أي: بعملٍ عظيمٍ، أو معتبرٍ في الشَّرْع بقرينةِ قولِه: «سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ»، ولأنَّ مثلَ معاذٍ لا يَسأَلُ مَنْ مِثْلُه صلعم بما لا جَدْوى له.
          اعلم أنَّ في مثلِ هذا مذهبين:
          أحدهما: مذهبُ الخليلِ: وهو أنْ يُجعلَ الأمرُ بمعنى الشرطِ، وجوابُ الأمرِ جزاءً.
          وثانيهما: مذهبُ سيبويه: أنَّ الجوابَ جزاءُ شرطٍ محذوفٍ.
          وعلى التقديرينِ التركيبُ مِنْ بابِ إقامةِ السببِ _الذي هو الإخبارُ_ مُقامَ المسبَّبِ الذي هو العملُ؛ لأنَّ العملَ هو السببُ ظاهرًا لا الإخبارُ؛ لأنَّ الإخبارَ إنَّما يكونُ سببًا للعملِ إذا كان المخاطَبُ مؤمِنًا معتقِدًا موافقًا، كقولِه تعالى: {قُل لِّعِبَادِىَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [إبراهيم:31].
          قال ابنُ الحاجبِ: {يُقِيمُواْ} جوابُ {قُل} [[أي: قُل لعبادي يقيموا، وما اعتُرِض عليه _مِنْ أنَّ الإقامةَ ليستْ بمُلازِمةٍ للقولِ_ ليسَ بشيءٍ]؛ فإنَّ الجوابَ لا يقتضي الملازمةَ العقليَّةَ، إنَّما يقتضي الغَلَبَةَ، وذلك حاصلٌ، فإنَّ أمرَ الشارعِ صلعم للمؤمنِ بإقامةِ الصلاةِ يقتضي إقامةَ الصلاةِ منه غالبًا، وكقولِه تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم} إلى قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ} [الصف:10_12]، فإنَّ {يَغْفِرْ لَكُمْ} جوابٌ للاستفهامِ؛ لأنَّ المؤمنَ الراسخَ في الإيمانِ لمَّا كان مَظِنَّةً لحصولِ الإقامةِ / والامتثالِ صار كالمتحقِّقِ منه ذلك، واللهُ تعالى أعلمُ]
(1).


[1] ما بين معقوفين جاء في (أ) مع مجموعة أحاديث في أوراق متفرقة، فوضعتها في محلِّها.