الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث ابن صياد: إن يكنه فلن تسلط عليه وإن لم يكنه

          1354- 1355- (فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ) أي: تُجاوِزَ(1)، ويقال: (يَعْدُوَ) بالياء، فيكون (قَدْرُكَ) مرفوعًا به، وفي بعضِها: (فَلَنْ تَعْدُ) بلا واو، إمَّا تخفيفًا، أو(2) أنَّ (لَنْ) بمعنى: (لَا)، أو (لم).
          وقال ابنُ مالكٍ في «الشَّواهدِ»: (الجزمُ بـــ«لن» لغةٌ حكاها الكِسائيُّ).
          وقال ابنُ هشامٍ: (وزَعَمَ بعضُهُم أنَّ «لن» قد تَجْزِم، كقولِه: [من الطويل]
........................                     وَلَنْ يَحْلَ لِلْعَيْنَيْنِ بَعْدَكِ مَنْظَرُ
          وقولِه: [من المنسرح]
لَنْ يَخِبِ الْآنَ مِنْ رَجَائِكَ مَنْ                     حَرَّكَ مِنْ دُونِ بَابِكَ الْحَلَقَةْ
          والأوَّلُ محتملٌ للاجتزاءِ بالفتحةِ عنِ الألفِ؛ للضَّرورةِ) انتهى. /
          (إِنْ يَكُنْهُ): الوصلُ لغةٌ، والفصلُ أرجحُ، فيقال: كان إيَّاه، وهو ما اختارَه ابنُ مالكٍ في «التَّسهيل» و«شرحه»، خلافًا لقولِه في «الخُلاصةِ»: (وَاتِّصَالَا أَخْتَارُ).
          وفي بعضِها: (إِنْ يَكُنْ هُوَ)، فإمَّا أنْ يكونَ (هُوَ) تأكيدًا للضَّميرِ المستترِ، و(كَانَ) تامَّة، أو وُضِع (هُوَ) موضعَ (إِيَّاهُ)، أو الخبرُ محذوفٌ، أي: إنْ يكنْ هوَ دجَّالًا(3).
          قال القاضي ناصرُ الدِّين: («إِنْ يَكُنْ هُوَ» الضَّميرُ لـــ«الدَّجَّالِ»، ويدُلُّ عليه: ما رُوِيَ أنَّه صلعم قال: «إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَسْتَ صَاحِبَهُ، إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ╕، وَإِنْ لَا يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ»، و«هُوَ» خبر «كَانَ»، واسمُه مستكِنٌّ فيه، وكانَ حقُّه: «إنْ يَكُنْهُ»، فوُضِعَ المرفوعُ المنفصلُ / موضعَ المنصوبِ [المتَّصلِ]، عَكْسَ قولِه: «لَوْلَاهُ»، ويَحتملُ أنْ يكونَ تأكيدًا للمستكِنِّ، والخبرُ محذوفًا، على تقديرِ: إن يكُنْ هو هذا).
          أقول: ويجوزُ أنْ يقدَّرَ: إنْ يكُنْ هوَ الدَّجَّالَُ، و(هُوَ) ضميرُ فصْلٍ، أو (هُوَ) مبتدأٌ، و(الدَّجَّالُ) خبرُه، والجملةُ خبرُ (كَانَ).
          إشارةٌ: إذا جُزمَ الفعلُ المضارعُ مِنْ (كان) قيلَ: لم يَكُنْ، الأصلُ: يكونُ فحَذَفَ الجازمُ الضَّمَّةَ الَّتي على النُّونِ، فالتقى ساكنانِ، الواوُ والنُّونُ، فحُذِفتِ(4) الواوُ؛ لالتقاءِ السَّاكنينِ، فصارَ اللَّفظُ: لم يَكُنْ، والقياسُ ألَّا يُحذَفَ منه بعدَ ذلك شيءٌ، لكنَّهُم حذفوا النُّونَ بعدَ ذلك تخفيفًا؛ لكثرةِ الاستعمالِ، فقالوا: لم يكُ، وهو حذفٌ جائزٌ لا لازمٌ.
          ومذهبُ سيبويهِ ومَنْ وافقَه: أنَّ(5) هذِه النُّونَ لا تُحذفُ عندَ مُلاقاةِ ساكنٍ، فلا تقولُ: لم يكُ الرجلُ قائمًا، وأجازَ ذلكَ يُونسُ، وقُرِئَ شاذًّا: ▬لَمْ يَكُ الَّذِينَ كَفَرُوا↨ [البينة:1](6)، وأمَّا إذا لاقت متحرِّكًا فلا يخلو أنْ يكونَ ذلك المتحرِّكُ ضميرًا متَّصلًا، أو لا، فإنْ كانَ ضميرًا متَّصلًا لم تُحذَفِ النُّونُ اتِّفاقًا، كهذا الحديثِ، فلا(7) يجوزُ / حذفُ النُّونِ، فلا تقولُ: إنْ يكه، وإنْ لا يكه(8)، وإنْ كانَ غيرَ متَّصلٍ جازَ الحذفُ والإثباتُ، نحو: لم يكُنْ زيدٌ قائمًا، ولم يكُ زيدٌ قائمًا.
          وظاهرُ كلامِ ابنِ مالكٍ: أنَّه لا يفرِّقُ في ذلك بينَ (كان) النَّاقصةِ والتَّامَّةِ، وقد قُرِئَ شاذًّا(9): {وَإِن تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا} [النساء:40]، برفعِ {حَسَنَةٌ} وحذفِ النونِ(10)، وهذِه هيَ التَّامَّةُ، واللهُ أعلمُ.
          (يَا صَافُِْ): الفاءُ مضمومةٌ ومكسورةٌ؛ لأنَّه مُرَخَّمُ(11) (يا صافي)، وساكنةٌ للوقفِ. /


[1] في (ب): (يجاوز).
[2] في (ب): (وإمَّا).
[3] في النسختين: (يكون هو داخلًا)، وهو خطأ وتحريف تبعًا لـــ«اللامع الصبيح» (5/266)، وانظر «الكواكب الدراري» (7/130).
[4] في (ب): (فحذف).
[5] في (ب): (وقد ذهب... إلى أن). انظر «الكتاب» (4/184).
[6] كذا في النسختين تبعًا لابن عقيل، ولم أجد من ذكر هذه القراءة.
[7] في النسختين: (ولا).
[8] قوله: (وإن لا يكه) ليس في (ب).
[9] هكذا في النسختين، وفيه نظرإذ هي قراءةُ نافعٍ وابنِ كثيرٍ وأبي جعفرٍ. انظر: «السبعة» (ص233)، «الحجة» (3/160)، «حجة القراءات» (ص203)، «المحرر الوجيز» (4/62)، «البحر المحيط» (3/643)، «الدر المصون» (3/682)، «النشر» (2/187).
[10] قوله: (وحذف النون) ليس في (ب).
[11] في (ب): (ترخيم).