كشف الالتباس عما أورده الإمام البخاري على بعض الناس

إذا قال: حملتك على هذا الفرس، هل هذا هبة أم عارية؟

          3 - وقال أيضًا: (وإِذَا حَمَلَ رَجُلٌ رَجُلًا عَلَى فَرَسٍ) ولأبوَيْ ذرٍّ والوقتِ والأَصِيلي: (رجلًا) بالنصب على المفعولية، والفاعلُ مضمر (فَهُوَ) / أي: فحُكمُه (كَالْعُمْرَى وَالصَّدَقَةِ) أي: في عدم الرجوع فيه، كما لا رجوعَ في العُمْرَى والصدقة.
          أما العُمْرَى فلقوله صلعم : «مَن أَعْمَر عُمْرَى فهي للمُعْمَرِ له ولوَرَثَتِهِ من بعدِه».
          وأمَّا الصَّدَقَةُ فإنَّه يُرادُ بها وجهُ الله تعالى فيَقعُ القبضُ لله تعالى، وإنَّما تصير للفقير نيابةً عن الله تعالى بحكم الرزق الموعود(1)، فلا يَبقى محل للرجوع.
          (وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا). وهذا مذهب الحنفية، قالوا: لأنَّها عارية أو هبةٌ إنْ نواها؛ لأنَّ الحمل هو الإركاب حقيقة، فيكون عارية، ولكنه يحتمل الهبة، يُقال: حَمَل الأميرُ فلانًا على الفَرَس يعني مَلَّكه إياها، فيُحْمَل على التمليك عند نيَّته؛ لأنَّه نَوَى ما يحتمله اللفظ، وفيه تشديد على نفسه فتُعْتَبَر نيَّته.
          وعلى كلٍّ فله الرجوعُ في العارية اتفاقًا، وفي الهبة عند الحنفية، [ولكن لا بدَّ في الرجوع من قضاء أو رضاء، ويمنع من الرجوع سبع معلومة في محالها](2).
          قال في ((الهداية)): وإذا وَهَبَ هبةً لأجنبي فله الرجوع [فيها](3)، وقال الشافعي: لا رجوع فيها، وذَكَرَ دليلَه وتكلَّم فيه، ثمَّ قال: ولنا قوله صلعم : «الواهبُ أحقُّ بهبَتِهِ ما لم يُثَبْ منها»(4). أي: ما لم يُعوَّض، و[لأنَّ](5) المقصود بالهبة هو التعويض بالعادة، فتَثْبُتُ ولايةُ الفَسْخ عند فواتِهِ.
          ثم قال(6): وقولُه في الكتاب(7): فله الرجوعُ، لبيان الحكم، أمَّا الكراهة فلازمةٌ، لقوله صلعم : «العائدُ في هبتِهِ كالعائِدِ في قَيْئِهِ». وهذا لاستقباحه. اهـ. أي: لا لحرمته؛ لأنَّ الذي يعود في قيئه الكلب، وفِعلُه يوصَفُ بالقُبْح لا بالحرمة.


[1] في (أ): المدعو.
[2] زيادة من (أ)، ليست في المطبوع.
[3] زيادة من (ب) و(ط).
[4] بهامش الأصلين: أخرجه الطحاوي في شرح الآثار عن عليٍّ ☺.
[5] زيادة من (ب) و(ط).
[6] أي: صاحب الهداية.
[7] أي: القدوري صاحب المختصر، وكتابه يعرف عند الحنفية بالكتاب.