كشف الالتباس عما أورده الإمام البخاري على بعض الناس

في كتاب الحاكم إلى الحاكم في الحدود

          24 - وفي (كِتَابُ الحَاكِمِ): (قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: كِتَابُ الحَاكِمِ) إلى الحاكم (جَائِزٌ) في جميع الحقوق (إِلَّا فِي الحُدُودِ) والقِصاصِ، فإنَّه لا يُقبَل؛ لأنَّها تُدَرأ بالشبهة.
          (ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ القَتْلُ خَطَأً فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذَا) أي: القتل الخطأ (مَالٌ بِزَعْمِهِ)، لعدم القصاص فيه، فيُلحَق بالأموال. (وَإِنَّمَا صَارَ مَالًا بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ القَتْلُ، فَالخَطَأُ وَالعَمْدُ وَاحِدٌ)، فيكونُ متناقِضًا في كلامه.
          قال العيني: وكيف يكون واحدًا ؟ ومقتضَى العمدِ القصاص، / ومقتضَى الخطأ عَدَمهُ. ووجوبُ المال لئلَّا يكون دمُهُ هَدَرًا. وسواءٌ كان ذلك قبل الثبوت أو بعده. اهـ.
          وقد استدل المؤلف لجوازه بالحدود بقوله: (وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ) بن الخطاب أمير المؤمنين (إِلَى عَامِلِهِ في الحُدُوْدِ) بالحاء المهملة والدالين، والعاملُ المذكور هو يَعْلَى بن أُمَيَّة عامِلُهُ على اليَمَن، وكَتَبَ إليه في قصة رجل زنى بامرأة مُضيفه: إن كان عالمًا بالتحريم فحُدَّه.
          وللأَصِيلي وأبي ذر عن المُسْتَملي والكُشْمِيْهَني: (في الجارودِ _بجيم بعدها ألف فراء فواو فدال مهملة_ ابن المُعَلَّى)، وله قصة مع قُدامة بن مظعون(1) عاملِ سيدنا عمر على البحرين، أخرجها عبد الرزاق من طريق عبد الله بن عامر، قال: استعمل عمر قُدامة، فَقَدِمَ الجارودُ على عمر، فقال: إنَّ قدامة شَرِبَ فَسَكِرَ، فكَتَب عمر إلى قدامة، فَذَكَر القصة بطولها، في قدومِ قدامة وشهادةِ الجارودِ وأبي هريرةَ عليه، وجَلْدِهِ الحدَّ.
          والجواب عن هذا ظاهر، فإنَّ كتاب عمر إلى عامله لم يكن في إقامة الحدِّ، وإنَّما كان لكشفِ الحال؛ ألا ترى أنَّ سيدنا عمر هو الذي أقام الحدَّ بشهادة الجارود وأبي هريرة.
          وكذا الأول، فإنَّ كتابةَ سيدنا عمر إلى عامله إعلامٌ له بالحكم، ليَعْمَلَ به إذا ثبَتَ عنده، فهو إفتاءٌ لا كتابةٌ بالحكم! والممنوعُ عند الحنفية أن يكتُبَ الحاكم بحكمِهِ إلى الحاكم الآخَر ليُنفِّذَه.
          قال في ((الهداية)): ويُقبَلُ كتابُ القاضي إلى القاضي في الحقوق إذا شُهِدَت به عنده للحاجة على ما نبيَّن، فإن شهدوا على خَصْم حَكَم / بالشهادة لوجودِ الحُجَّة، وكتَب حُكْمَه وهو المَدْعُو سِجلًا. وإن شهدوا بغير خَصْم لم يَحكم؛ لأنَّ القضاء على الغائب لا يجوز، وكتَبَ بالشهادة ليَحكم المكتوبُ إليه بها. وهذا هو الكتابُ الحُكْمِي، وهو نقلُ الشهادة في الحقيقة. اهـ. وتمامُهُ فيها.


[1] في الأصل وهمًا: قدامة بن صفوان مظعون.