كشف الالتباس عما أورده الإمام البخاري على بعض الناس

الركاز حقيقته وحكمه

          1 - قال الشيخ الإمام، حَبرُ الإسلام، وقُدوةُ الأئمة الأعلام، إمامُ أهل الحديث، في القديم والحديث، سيدي أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبة البخاري الجُعْفي، قدَّس الله رُوحَه، ونَوَّرَ مرقَدَهُ وضريحَه، في كتابه ((الجامع المسنَد الصحيح)) من كتاب الزكاة:
          (بابٌ: في الركازِ) بكسر الراء وتخفيف الكاف، آخرُهُ زاي، خبرٌ مقدَّم، (الخُمُسُ)(1) بضمتين وقد تسكَّن الميم، مبتدأٌ مؤخَّر، وذلك لكثرة نفعِهِ وسهولة أخذه.
          (وقال) الإمام (مالكٌ) بن أنس إمام دار الهجرة صاحبُ المذهب (وابنُ إدريس) الإمام الشافعيُّ الإمامُ الأعظم، صاحبُ المذهب كما ذهب إليه(2) المَرْوَزِيُّ أحدُ الرواة عن الفِرَبْرَي، وتابعه البيهقي وجمهورُ الأئمة، وقيل: المرادُ به: عبدُ الله بن إدريس الأَوْدِي الكوفي. (الركازُ) مبتدأ، (دِفْنُ) بكسر الدال وسكون الفاء، أي: مدفونُ (الجاهلية) خبرٌ عنه، أو هو بَدَلٌ أو عطفُ بيان. و (في قليلِهِ) وهو ما دون النصاب، خبرٌ / مقدَّم (وكثيرِهِ) وهو ما بلَغَ النِّصاب، معطوفٌ عليه (الخُمُسُ) مبتدأ مؤخَّر، والجملةُ مستأنفة، أو خبرُ الركاز.
          قال الإمام القسطلاني: وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد، وبه قال إمامنا الشافعي في القديم، وشَرَط في الجديد النصابَ. وقالا أيضًا: (ليس المَعْدِنُ) بركازٍ، بكسر الدال من العَدْنِ وهو الإقامة؛ لإقامةِ التِّبْر فيه، قال في ((القاموس)): المَعْدِن كمجِلِس مَنْبِتُ الجواهر من ذهبٍ ونحوِه، لإقامة أهلهِ فيه دائمًا، أو لإنباتِ الله ╡ إياه فيه. انتهى. ومنه: {جَنَّاتُ عَدْنٍ}[التوبة:72] (بركازٍ) أي: لا يَدخُلُ/ تحت اسمَ الرِّكاز، ولا لَهُ حُكمُهُ (وقد قال النَّبيُّ صلعم ) كما وصله في آخر الباب من حديث أبي هريرة: (في المَعْدِن جُبَارٌ) بضم الجيم وتخفيف الموحدة في آخره راء، أي: هَدْر، (وفي الرِّكازِ الخُمس)، ففرَّق بينهما، وَجَعَل لكل منهما حكمًا، فدلَّ على تغايرهما، ولو كانا بمعنى واحد لجَمَع بينهما، وهذا تقويةٌ منه لقولهما، ثم ذَكَرَ أقوالَ بعض المجتهدين الدالَّةَ على تغايرهما فقال: (وأخَذَ عمر بن عبد العزيز من المعادن) المستخرجة (من كل مِئتين خمسةً)، وذلك رُبعُ العُشر، ولو كان ركازًا لأخذ منه الخمس. (وقال الحسن) البصري: (ما كان من ركاز(3) في أرض الحرب ففيه الخمس، وما كان من أرض السِّلم) بكسر السين وسكون اللام أي: الصُّلح (ففيه الزكاة) المعهودة. قال ابن المنذر: لا أعرف أحدًا فرَّق هذه التفرقة غيرَه.
          وقال أيضًا: (وإن وجدتَ اللُّقَطةَ) بضم اللام المشددة وفتح القاف وسكونها (في أرض العدو فَعَرِّفْها)؛ لاحتمالِ أنْ تكون للمسلمين (وإن كانت من العدوِّ) بقرينةٍ ظاهرة (ففيها الخمس)، والباقي لك. / (وقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: المَعْدِنُ ركاز، مثلُ دِفنِ الجاهلية). تقدَّمَ لك أنَّ ابنَ التِّين قال: المرادُ ببعض الناس أبو حنيفة.
          أقول: نسبةُ هذا القول إلى أبي حنيفة صحيحة، سواء كان مراد البخاري أو غيرِه ممَّنْ وافق أبا حنيفة؛ لأنَّه لم ينفرد به، قال ابن بطال في ((شرحه)): ذهب أبو حنيفة والثوري وغيرُهما إلى أنَّ المَعْدِنَ كالرِّكاز، واحتُجَّ لهم بقول العرب: أَرْكَزَ الرجلُ إذا صار له ركاز، وهي قِطَع من الذهب يَخْرجُ من المعادن. وهذا قول صاحب ((العين)) وأبي عُبَيْدة.
          وفي ((مجمع الغرائب)): الرِّكاُز المعادن. انتهى.
          وفي ((النهاية)) لابن الأثير: المعدِن والركاز واحد. انتهى.
          وفي ((مفردات الراغب)): رَكزتُ كذا: دَفَنْتَه دفنًا خَفِيًّا، ومنه الركاز للمالِ المدفونِ، إمَّا بفعلِ آدمي كالكنز، وإمَّا بِفعلٍ إلهي كالمعدن.
          ويتناول الركازُ الأمرين. وفُسِّر قوله صلعم : «وفي الركاز الخُمُس» بالأمرين جميعًا. انتهى.
          لكن يُبْعِد النسبةَ إليه التعليلُ المذكور بقوله: (لأنَّه يقال: أَركَز المعدِنُ إذا خَرَج منه شيء)؛ لأنَّ الضمير في (لأنَّه) ضميرُ الشأن، مُشارٌ به إلى تعليل القول المذكور.
          وهذا لم ينقله أحد من أئمة مذهبه، المعتنين بنقل كلامه وتدوين أحكامه، مع مخالفته لما نقله أئمةُ اللغة عن العرب، ولذا قال الإمام العيني: لم يُنقَل عنهم _يعني الحنفية_ ولا عن العرب أنهم قالوا: أَركَز المعدنُ، وإنَّما يقال: أركز الرجلُ، أي: صار صاحبَ ركاز؛ لأنَّ (أفعل) للصيرورة، أي: لصيرورة الشيء منسوبًا لما اشتُقَّ منه، كأغَدَّ البعيرُ، أي: صار ذا غُدَّة، ولا يقال: أَركَز المعدِنُ؛ لأنَّه لا معنى لصيرورة المعدِن ذا ركاز. انتهى. /
          أقول: قولُ العيني: (لا يُقالُ: أركز المعدِنُ) غيرُ مسلَّم له، لكنه قليل، وكأنَّه لقلته لم يَطَّلع عليه، وقد رأيتُه في ((تكملة الصاغاني))، قال: الركاز المعادِنُ، الواحدة: ركيزة، وأركز المعدنُ إذا صار فيه الركاز. اهـ. وفي ((القاموس)): وأركز وَجَد الركاز، والمعدِنُ صار فيه ركازٌ. انتهى.
          ولم أجده في غيرهما، وكفَى بهما، إلَّا أنْ يُريد العينيُّ أنَّه لا يقال: أركز المعدِنُ إذا خَرَج منه شيء، أي: مطلقًا، كما ذكره المؤلف، فإنَّه لم يُنقَل عن أحد، وإنَّما المنقول أنَّه يقال مقيَّدًا بوجود الركاز كما مرَّ في عبارة «التكملة» و «القاموس».
          وكذلك لا يُقال: أركز الرجل، إلَّا مقيَّدًا بأنَّه وجد الركاز لا مَن وُهِبَ له شيء أو ربح أو كثر ثمره، فإنَّه كذلك لم ينقل عن أحدٍ، وقد سَمِعت ما مرَّ.
          وفي ((الصحاح)): والركاز كنوزُ الجاهلية المدفونةُ، وأركز الرجلُ إذا وَجَده.
          وفي ((المختار)): والركاز بالكسر دَفِينُ الجاهلية، كأنَّه رُكِزَ في الأرض، وأركَزَ الرجلُ وَجَد الركاز.
          وإذا علمتَ ذلك، وأحطتَ خُبرًا بما هنالك ظَهَر لك أنَّ نسبة ذلك إلى أبي حنيفة غيرُ صحيحة، وفِريةٌ صريحة؛ لأنَّه لم يُنقَل عنه، ويبعد صُدوره منه، فإنْ صحَّ عن البخاري أنَّه أراد بذلك أبا حنيفة، فهو على حسب ما نُقل له عنه؛ لأنَّ البخاري لم يُدرك أبا حنيفة؛ لأنَّ مولده بعدَ وفاة الإمام بأربع وأربعين سنة؛ لأنَّ وفاة الإمام سنة خمسين ومئة، ومولدَ البخاري سنة أربع وتسعين ومئة.
          وحيث لم يُدرك زمنه، ولم يكن في كتب أئمته المعتمدة، ونُقلَ له عنه أو عن أئمته، فالناقلُ إما متقوِّل(4)، أو متساهِل، فيكون الردُّ على الناقل إليه، لا على المُتَقَوَّلِ(5) عليه.
          ثم بَنَى المؤلِّف على التعليل المذكور فقال: (قيل له): أي للقائل / بذلك التعليل: (فــقد يُقال لمن وُهِبَ له شيء، أو رَبِحَ ربحًا، أو كثر ثمره: أركزتَ)، أي كما يقال: أركز المعدِنُ إذا خرج منه شيء، يقال: أركز الرجلُ إذا وُهِبَ له شيء أو رَبح، أو كثر ثمرَه.
          وقد علمتَ أنَّه لم ينقله أحد من الحنفية ولا العرب، وإنَّما المنقول: أركز الرجلُ: إذا وَجَد الركاز، وأركز المعدن: إذا وُجد فيه الركاز، كما مرَّ نقلُه عن أئمة اللغة، وها أنا أذكر لك ما ذَكر أئمتنا في كتبهم:
          قال ابن الهُمَام في كتابه ((فتح القدير)): باب في المَعْدِن والرِّكاز: [المَعْدِن] من العَدْن وهو الإقامة، ومنه يقال: عَدَن بالمكان إذا أقام به، ومنه: {جنَّاتُ عَدْن}[التوبة:72]، ومَرْكزُ كل شيء مَعْدِنُه، عن أهل اللغة، فأصلُ المَعْدِن المكانُ بقيدِ الاستقرار، ثم اشتَهَر في نفس الأجزاء المستقرة،/ التي أركزها الله تعالى في الأرض يومَ خلق الأرض، حتى صار الانتقالُ من اللفظ إليه ابتداءً بلا قرينة.
          والكنز: المثبَتُ فيها من الأموال بفعل الإنسان.
          والرِّكازُ يَعُمُّهما؛ لأنَّه من الرِّكْز مرادًا به المركوز، أعمُّ من كونِ رِكْزِهِ من الخالق أو المخلوق، فكان حقيقةً فيهما مشترَكًا معنويًا، وليس خاصًا بالدَّفِين. ولو دار الأمر فيه بين كونِهِ مَجازًا فيه أو مُتواطِئًا(6)، إذْ لا شكَّ في صحة إطلاقِهِ على المَعْدِن إن كان التواطؤُ متعيِّنًا.
          وإذا عُرِف ذلك، فاعلم أنَّ المستخرَجَ من المعدِن ثلاثةٌ:
          جامدٌ يَذُوبُ وينطبع، كالنَّقْدَين والحديد وما ذَكَره المصنِّفُ معه. /
          وجامدٌ لا ينطبعُ كالجِصِّ والنُّوْرَة والكُحْل والزَّرْنِيخ وسائرِ الأحجار، كالياقوت والمِلْح.
          وما ليس بجامد كالماءِ والقِيْر والنِّفْط.
          ولا يجبُ الخمُسُ إلَّا في النوع الأول. وعند الشافعي لا يجب إلَّا في النقدين على الوجه الذي ذَكَرَه في الكتاب، وذَكَر دليلَ الشافعي(7)، ونَظَرَ فيه.
          ثم قال(8): ونحن نتمسَّكَ بالكتاب، والسنةِ الصحيحة، والقياس.
          أما الكتاب فقوله تعالى: { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال:41] ولا شكَّ في صدق الغنيمة على هذا المال، فإنْ كان مع محله من الأرض في أيدي الكفرة، وقد أوجَف عليه المسلمون فكان غنيمة، كما أنَّ محلَّه _أعني: الأرضَ_ كذلك.
          وأما السُّنَّة فلقوله صلعم : «العَجْماءُ جُبَار، والبِئْرُ جُبَار، والمَعْدِنُ جُبَار، وفي الرِّكاز الخُمُس» أخرجه الستة. والرِّكازُ يعمُّ المعدِنَ والكنزَ على ما حقَّقناه، فكان إيجابًا فيهما.
          ولا يُتوهَّمُ عدَمُ إرادة المعدِن، بسببِ عطفِهِ عليه بعدَما أفاد أنَّه جُبارٌ، أي: هَدَرٌ لا شيء فيه؛ وإلَّا لتناقَضَ، فإنَّ الحكم المتعلق بالمعدِن ليس هو / المتعلِّقَ به الركازُ، ليختلف بالسَّلْب والإيجاب، إذ المرادُ به إهلاكُه، و الهلاكُ به للأجير الحافرِ له غيرُ مضمون، لا أنَّه(9) لا شيءَ فيه نفسِهِ، وإلَّا لم يجب فيه شيء أصلًا، وهو خلافُ المتفَقِ عليه؛ إذ الخلافُ إنَّما هو في كَمِّيَّتِهِ لا في أصله.
          وكما أنَّ هذا هو المرادُ في البئر والعجماء، فحاصلُه أنَّه أثبَت للمعدِن بخصوصه حُكمًا، فنَصَّ على خصوص اسمه، ثم أثبَتَ له حكمًا آخر مع غيره، فعبَّر بالاسم الذي يَعُمُّهما، ليَثبُتَ فيهما، فإنَّه علَّق الحكم _أعني: وجوبَ الخمس_ بما يُسمَّى ركازًا، فما كان من أفرادِهِ وجب فيه، ولو فُرِضَ مجازًا في المعدِن، [وَجَب] على قاعدتهم تعميمُه؛ لعدم ما يُعارِضُه، لما قلنا من اندراجه في الآية والحديث الصحيح، مع عدم ما يَقْوَى على معارضتهما في ذلك.
          وأما ما رُوِيَ عن أبي هريرة أنَّه قال: قال رسول الله صلعم : «في الركاز الخمس» قيل: وما الركاز يا رسول الله ؟ قال: «الذهَبُ الذي خلقه الله تعالى في الأرض يوم خُلِقَتْ الأرض». رواه البيهقي، وذكره في ((الإمام))،[فهو وإن سكت عنه في ((الإمام)) مضعَّفٌ بعبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري. و] أيضًا أنَّه ╕ / قال: «في السُّيُوبِ الخُمُس»، والسُّيُوبُ عُروقُ الذهب والفضة التي تحت الأرض.
          ولا يصح جعلُهما شاهدين على المرادِ بالركاز كما ظنوا، فإنَّ الأوَّل خَصَّ الذهبَ، والاتِّفاقُ أنَّه لا يخصه، وإنَّما نَبَّه حينئذ على ما كان مثلَه في / أنَّه جامد ينطبع، والثاني لم يَذكر فيه لفظ الركاز بل السُّيوب، فإذا كان السُّيوبُ يَخص النقدين، فحاصلُه أنَّه أفرد فَرْد من العام، والاتفاقُ أنَّه غيرُ مخصِّص للعام.
          وأمَّا القياسُ فعلى الكنز الجاهلي، بجامع ثبوت مَعْنى الغنيمة، فإنَّ هذا هو الوصف الذي ظهر أثَرُه في المأخوذ بعينه قهرًا، فيجب ثبوتُ حكمه في محل النزاع، وهو وجوب الخمس لوجوده فيه. وكونُه أُخِذَ في ضمن شيء لا أثَرَ له في نفي الحكم. وإطلاقُ قوله ╕: «في الرِّقَةِ رُبْعُ العُشْر». مخصوصٌ بالمستخرَج للاتفاق على خروج الكنز الجاهلي من عموم الفِضَّة. انتهى.
          ثم قال: (ثم ناقَضَ) هذا القائلُ نفسَه، (وقال: لا بأس أن يَكتُمَه) أي: المعدِنَ كالكنز عن الساعي، (ولا يُؤدِّيَ الخمسَ). ووَجْهُ المناقضة أنَّه قال أولًا: المعدِنَ يجبُ فيه الخمس؛ لأنَّه ركاز. وقال ثانيًا:لا يؤدِّي الخُمسَ في الركاز. وهو متناولٌ للمعدِن عنده.
          أقول: أمَّا نسبةُ قوله: (لا بأسَ أن يكتمه) إلى أبي حنيفة، فمسلَّم، وأمَّا قوله: (ولا يؤدِّي الخمس) فغيرُ مسلَّم؛ لأنَّ المنقول عن الإمام أنَّ الخمس واجب في المعدِن كالكنز، كما تقدم. ومَصرِفُه الفقراء، فللواجد أن يدفعه للساعي ليَدفعه إلى الفقراء، ولا بأس أن يكتمه عنه ويَدفعَه بنفسه، لوصول الحق إلى أهله، وله أن يُمسكه لنفسِه إنْ كان محتاجًا ولا تُغنيه الأربعةُ الأخماس. ومثلُه أصلُه وفرعُه.
          قال في ((المبسوط)): ومن أصاب ركازًا وَسِعَه أن يتصدق بخُمُسِه / على المساكين، فإذا اطَّلع الإمام على ذلك أمضَى له ما صنع؛ لأنَّ الخمس حقُّ الفقراء، وقد أوصلَه إلى مستحقِّه، وهو في إصابة الركاز غير محتاج إلى الحماية [حِمايةِ الإمام] فهو كزكاة الأموال الباطنة. انتهى.
          وفي ((البدائع)): ويجوز دفعُ الخمس إلى الوالدين والمولُودين الفقراء كما في الغنائم، ويجوز للواجد أن يَصرفه إلى نفسه إذا كان محتاجًا لا تُغنيه الأربعةُ الأخماس، بأنْ كان دون المئتين، أمَّا إذا بلغ مئتين فلا يجوز له تناول الخمس. انتهى.
          وفيه أنه قد يَبلُغ مئتين فأكثر ولا تُغنيه كمديون، فالأَولى الاقتصار على الحاجة، قال في ((كافي الحاكم)): ومن أصاب ركازًا وَسِعَه أن يَتصدَّق بخمسه على المساكين، فإذا اطَّلع الإمامُ على ذلك أمضى له ما صَنَع، وإن كان محتاجًا إلى جميع ذلك وَسِعَه أن يُمسكه لنفسه، وإن تصدَّق بالخمس على أهل الحاجة من آبائه وأولاده جاز ذلك، وليس هذا بمنزلة عُشر الخارج من الأرض. انتهى.
          وحكى الطحاوي عن/ أبي حنيفة أنه قال: من وَجَد ركازًا فلا بأس أنْ يُعطي الخمس للمساكين، وإن كان محتاجًا جاز له أن يأخذه لنفسه، قال: وإنَّما أراد أبو حنيفة أنَّه تأول أنَّ له حقًا في بيت المال ونصيبًا في الفيء، فلذلك له أن يأخذ الخمس لنفسه عِوَضًا عن ذلك. انتهى.
          وإذا علمتَ ذلك ظهر لك أنَّ قوله: (لا بأس أن يكتُمَه) أي: عن الساعي. وكذا قوله: (ولا يؤدِّي الخُمُسَ) إنْ كانت مروية، أي: إلى الساعي، لا أنَّه لا يؤدي أصلًا، بل عليه إذا كتمه عن الساعي أن يؤديه إلى المستحق بنفسه، وإذا كان الواجد من المستحقين فله إمساكُهُ لنفسه؛ لأنَّه / من جملة المستحقين، والمستحقُّ إذا ظَفِرَ بحقه فله أخذُه كالمودِع والمعير ونحوِهما، وإذا كان كذلك فلا تَناقُضَ، والله تعالى أعلم.


[1] زاد في (أ): مبتدأ. اهـ. وهو تكرار لما سيأتي. قال الكشميري في «فيض الباري» تعليقًا على هذا الموضع: واعلم أنَّ هذا أول موضع استعمل المصنف فيه هذا اللفظ، ولم يردْ به أبا حنيفة في جميع المواضع، كما زُعِم، وإنْ كان المراد هاهنا هو الإِمام الهُمَام، بل المراد في بعضها عيسى بن أبان، وفي بعضٍ آخر الشافعي نفسه، وفي آخر محمد. ثمَّ لا يستعمله المصنف للردِّ دائمًا، بل رأيته قد يقول: «بعض الناس»، ثم يختاره، وقد يتردد فيه. وذكر المصنف في كتابه مالكًا باسمه، وكذا الشافعي، فإنَّ المراد بابن إدريس هاهنا هو الشافعي، ولم يسمِّ أحمد إلَّا في موضعين، وابن مَعِين في موضع.
[2] في (ب) و(ط): «جَزَم به».
[3] في (أ) وهمًا: «زكاة».
[4] في (أ): «منقول».
[5] في (أ): المنقول.
[6] بهامش الأصلين: المتواطىء هو الكلي الذي يكون حضور [في المطبوع من التعريفات: حصول] معناه وصدقه على أفراده الذهنية والخارجية على السوية كالإنسان. كذا في تعريفات السيد.
[7] في (أ): دليل وذكر الشافعي.
[8] أي: الكمال ابن الهمام.
[9] في (أ): لأنه.