التوشيح على الجامع الصحيح

حديث: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون

          604- (فَيَتَحَيَّنُونَ): بحاء مهملة بعدها مثنَّاة تحتيَّة ثمَّ نون، أي: يقدرون أحيانها فيأتوا إليها.
          (لَيْسَ يُنَادَى): بالبناء للمفعول، ولمسلم: «ليس ينادي بها أحد».
          (فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ...) إلى آخره، فيه اختصار، ففي ابن ماجه من حديث ابن عمر «أنَّ النَّبيَّ صلعم استشار النَّاس لما يجمعهم للصَّلاة فذكروا البوق فكرهه من أجل اليهود، ثمَّ ذكروا النَّاقوس فكرهه من أجل النَّصارى».
          ولأبي داود: «اهتمَّ النَّبيُّ صلعم للصَّلاة، كيف يجمع النَّاس لها، فقيل: انصب رايةً عند حضور وقت الصَّلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا فلم يعجبه...»الحديث، وفيه: «ذكروا القُنْعَ _يعني البوق_ وذكروا النَّاقوس، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتمٌّ، فأُري الأذان، فغدا على رسول الله صلعم، وكان عمر رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يومًا، ثمَّ أخبر به النَّبيَّ صلعم، فقال: ما منعك أن تخبرنا ؟ قال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت فقال: يا بلال قم... الحديث».
          وفي «الأوسط»للطَّبرانيُّ: «أنَّ أبا بكر أيضًا رأى الأذان».
          ولأبي داود في «المراسيل»عن عبيد بن عمير اللَّيثيِّ أحد كبار التَّابعين: «أنَّ عمر لما رأى الأذان جاء يخبر النَّبيَّ صلعم، فوجد الوحي قد ورد بذلك فقال له النَّبيُّ صلعم: سبقك بذلك الوحي»، وبذلك يُعرف أنَّ العمل وقع بالوحي لا بمجرَّد الرُّؤيا من الصَّحابة.
          قال السُّهيليُّ: وقد ورد «أنَّه صلعم سمع الأذان ليلة الإسراء فوق سبع سماوات» أخرجه البزَّار.
          وهو أقوى من الوحي، وإنَّما تأخَّر حتَّى أعلم النَّاس به على غير لسانه للتَّنويه به، ورفع ذكره [بلسان] (1) غيره ليكون أقوى لأمره، وأفخر لشأنه، وأضيفت رؤيا عمر وغيره إلى عبد الله بن زيد للتَّقوية.
          فائدة: [كثر] (2) السُّؤال: هل باشر النَّبيُّ صلعم الأذان بنفسه ؟
          وقد أجاب السُّهيليُّ والنَّوويُّ: «بأنَّه أذَّن مرَّة في سفر»أخرجه التِّرمذيُّ.
          قال ابن حجر: لكن وجدنا الحديث في «مسند أحمد»من الوجه الذي أخرجه التِّرمذيُّ بلفظ: «فأمر بلالًا بالأذان»، فعُرف أنَّ في رواية التِّرمذيِّ اختصارًا، أو أنَّ معنى «أذَّن»: أمر بلالًا به.
          قلت: قد ظفرتُ بحديث آخر مرسلٍ أخرجه سعيد بن منصور في «سننه»: حدَّثنا أبو معاوية، حدَّثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشيُّ، عن ابن أبي مليكة قال: «أذَّن / رسول الله صلعم فقال: حيَّ على الفلاح»، وهذه رواية لا تقبل التَّأويل.


[1] ما بين معقوفتين في غير [ع] : (على لسان) .
[2] ما بين معقوفتين في غير [ع] : (وقع)