التوشيح على الجامع الصحيح

كتاب الجمعة

          ░░11▒▒ (كِتَابُ الْجُمُعَةِ): الأشهر فيها ضمُّ الميم والسُّكون، والفتح والكسر، لغات.
          واختُلف في تسمية اليوم بذلك مع الاتِّفاق على أنَّه كان يُسمَّى في الجاهليَّة: العَروبة بفتح المهملة وضمِّ الرَّاء وبالموحَّدة.
          فقيل: لأنَّ كمال الخلائق جُمِعَ فيه، أخرجه أبو حذيفة البخاريُّ في «المبتدأ» عن ابن عبَّاس بسند ضعيف.
          وقيل: لأنَّ خلق آدم جُمِعَ فيه، وورد ذلك من حديث سلمان، أخرجه أحمد وابن خزيمة.
          وله شاهد عن أبي هريرة أخرجه ابن أبي حاتم موقوفًا بسند قويٍّ، وأحمد مرفوعًا بسند ضعيف.
          وأخرج عبد بن حُميد عن ابن سيرين في قصَّة تجميع الأنصار مع أسعد بن زرارة: «وكانوا يُسمُّون يوم الجمعة يوم العروبة، فصلَّى بهم وذكَّرهم، فسمَّوه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه».
          وقيل: لأنَّ كعب بن لؤيٍّ كان يجمع قومه فيه، فيذكِّرهم ويأمرهم بتعظيم الحرم، ويخبرهم بأنَّه سيُبعث منه نبيٌّ، أخرجه الزُّبير بن بكَّار في كتاب «النَّسب» عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مقطوعًا.
          وقيل: إنَّ قصيًّا هو الذي كان يجمعهم، ذكره ثعلب في «أماليه».
          وقيل: سُمِّي بذلك لاجتماع النَّاس للصَّلاة فيه، ذكره ابن حزم، وقال: إنَّه اسم إسلاميٌّ لم يكن في الجاهليَّة، وإنَّما كان يُسمَّى العروبة.
          ورُدَّ بأنَّ أهل اللُّغة ذكروا أنَّ العروبة اسم قديم كان للجاهليَّة، مع أسماء أُخر للأيَّام، ثمَّ غيَّروا أسماء الأيام السَّبعة كلَّها، وكانت تسمى: أوَّل، أهون، جُبار، دُبار، مؤنس، عروبة، شِيَار.
          وقيل: إنَّ أوَّل من سمَّى الجمعةَ العروبةَ كعب بن لؤيٍّ، ذكره الفرَّاء وغيره، وذكر ابن القيِّم في «الهدي» ليوم الجمعة خصوصيَّات [هيئتها] (1) وأنَّها يوم عيد، ولا يصام منفردًا، وقراءة: {ألم تَنْزِيلُ} [السجدة:1-2] ، و{هَلْ أَتَى} [الإنسان:1] في صبحها والجمعة والمنافقين فيها، والغسل لها والطِّيب، والسِّواك، ولبس أحسن ثيابه، وتبخير المسجد، والتَّبكير، والاشتغال بالعبادة حتَّى يخرج الخطيب، والخطبة والإنصات، وقراءة الكهف، ونفي كراهة النَّافلة وقت الاستواء، ومنع السَّفر قبلها، وتضعيف أجر الذَّاهب إليها بكلِّ خطوة أجر سنة، ونفي سجر جهنَّم في يومها، وساعة الإجابة، وتكفير الآثام، وأنَّها يوم المزيد، والشَّاهد والمدَّخر لهذه الأمَّة، وخير أيَّام الأسبوع، وتجتمع فيه الأرواح.
          قلت: وبقي عليه أشياء: لا يخصُّ ليلها بقيام، وقراءة الجمعة والمنافقين في عشاء ليلتها، والكافرين والإخلاص في مغرب ليلتها، والأمان من عذاب القبر لمن مات في يومها أو ليلتها، / واختصاص صلاتها بالجماعة وبأربعين عندنا، وغير ذلك ممَّا سأفرده بكرَّاسة إن شاء الله تعالى.
          والأكثر على أنَّها فرضت بالمدينة، وقال الشَّيخ أبو حامد: بمكَّة، ويدلُّ له حديث أبي داود وابن خزيمة عن كعب بن مالك قال: «كان أوَّل من صلَّى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلعم المدينة أسعد بن زرارة» وسيأتي ما يجاب به عنه.


[1] ما بين معقوفتين في غير [ع] : (بعينها)