التوشيح على الجامع الصحيح

حديث: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي

          335- (حَدَّثَنَا محمَّد بْنُ سِنَانٍ، حدثَنَا هُشَيْمٌ [(ح)] (1) ، وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ النَّضْرِ، أخبرنا هُشَيْمٌ) لم يجمع البخاريُّ بين شيخيه في هذا الحديث مع كونهما حدَّثاه به عن هشيم؛ لأنَّه سمعه منهما مفترِّقين، وكأنَّه سمعه من محمَّد مع غيره، فلهذا جمع فقال: حدَّثنا، ومن سعيد وحده، فلهذا أفرد فقال: حدَّثني، وكأنَّ محمَّدا سمعه من لفظ هشيم، فلهذا قال: حدَّثنا، وكأنَّ سعيدًا قرأه أو سمعه يُقرأ على هشيم، فلهذا قال: أخبرنا.
          ثمَّ إنَّ سياق المتن لفظ سعيد، وقد ظهر هذا بالاستقراء من صنيع البخاريِّ أنَّه إذا أورد الحديث عن غير واحد، فإنَّ اللَّفظ يكون للأخير، قاله ابن حجر.
          (أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ) بمهملة بعدها تحتيَّة مشدَّدة آخره راء: أبو الحكم بن وردان الغنويُّ الواسطيُّ البصريُّ.
          (يَزِيدُ الْفَقِيرُ) كان يشكو فقار ظهره فقيل له ذلك.
          (أُعْطِيتُ خَمْسًا) كذا من حديث أبي موسى وابن عبَّاس وجملة من الصَّحابة ♥.
          ولمسلم من حديث أبي هريرة: «فُضِّلت على الأنبياء بستٍّ»، فذكر أربعًا من هذا الخمس، وزاد ثنتين: «وأعطيت جوامع الكلم، وخُتم بي النَّبيون».
          ولمسلم من حديث جابر: «فُضِّلنا على النَّاس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة» الحديث، وفيه: «وذكر خصلة أخرى»، وقد بيَّنهما ابن خزيمة والنَّسائيُّ وهي: «وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش»، يشير إلى ما حطَّه عن أمَّته من الإصر، وتحميل ما لا طاقة لهم به، ورفع الخطأ والنِّسيان.
          ولأحمد من حديث عليٍّ ☺: «أُعطيت / أربعًا لم يعطهنَّ أحد من أنبياء الله: أعطيت مفاتيح الأرض وسُمِّيت أحمد، وجعلت أمَّتي خير الأمم»، وذكر خصلة التُّراب فصارت الخصال اثنتي عشرة، وقد يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التَّتبُّع.
          وقد ذكر أبو سعيد النَّيسابوريُّ في «شرف المصطفى صلعم» أنَّ الذي اختصَّ به على الأنبياء ستُّون خصلة، ثمَّ لمَّا صنَّفت كتاب «المعجزات والخصائص» تتبَّعتها فزادت على المائتين.
          (نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ) زاد أحمد من حديث أبي أمامة: «يُقذف في قلوب أعدائي».
          (مَسِيرَةَ شَهْرٍ): بالنَّصب، لفظ رواية ابن عمرو، [عنده] (2) : «نُصرت على العدوِّ بالرُّعب ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر».
          وفي الطَّبرانيِّ عن ابن عبَّاس ☻: «نُصر رسول الله صلعم [على عدوِّه مسيرة شهرين»، وأخرج عن السَّائب بن يزيد مرفوعًا: «فُضِّلت على الأنبياء بخمس»، وفيه: «ونُصرت بالرُّعب] (3) شهرًا أمامي، وشهرًا خلفي»، وهو مبيِّن لمعنى حديث ابن عبَّاس ☻.
          (وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ) زاد أحمد عن أبي أمامة: «ولأمَّتي»
          (مَسْجِدًا) أي: موضع سجود أي صلاة. وفي حديث ابن عمرو زيادة: «وكان من قبلي إنَّما يصلُّون في كنائسهم».
          (وَطَهُورًا) لمسلم من حديث حذيفة: «وجعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء»، ولأحمد عن عليٍّ: «وجعل لي التُّراب طهورًا»
          (فَأَيُّمَا): (أيُّ): مبتدأ، و (ما) زائدة للتَّأكيد.
          (رَجُلٍ): بالجرِّ مضاف إليه.
          (أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ فَلْيُصَلِّ) للبيهقيِّ عن أبي أمامة: «أتى الصَّلاة فلم يجد ماء وجد الأرض طهورًا ومسجدًا»، ولأحمد عنه: «فعنده طهوره ومسجده».
          (وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنائِمُ) للكُشْمِيهنيِّ: «المغانم».
          (وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي) قال الخطَّابيُّ: كان من قبله على ضربين، منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن له مغانم، ومنهم من أذن له فيه، لكن كانوا إذا غنموا شيئًا لم يحلَّ لهم أكله، وجاءت نار فأحرقته.
          (وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ) أي: العظمى في إراحة النَّاس من هول الموقف، واللَّام للعهد، قاله ابن دقيق العيد.
          وقال ابن حجر: الظَّاهر أنَّ المراد هنا الشَّفاعة في إخراج من دخل النَّار ممَّن ليس له عمل صالح إلَّا التَّوحيد لقوله في حديث ابن عبَّاس ☻: «وأعطيت الشَّفاعة فأخَّرتها لأمَّتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئًا»، وفي حديث ابن عمرو: «فهي لكم ولمن يشهد أن لا إله إلا الله».
          (وَكَانَ النَّبيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً) اسُتشكل بنوح، فإنَّه دعا على جميع من في الأرض فأهلكوا بالغرق، إلَّا أهل السَّفينة ولو لم يكن مبعوثًا إليهم لما أهلكوا لقوله تعالى: / {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15] ، وقد ثبت أنَّه أوَّل الرُّسل، وأجيب بجواز أن يكون غيره أرسل إليهم في أثناء مدَّته، وعلم نوح أنَّهم لم يؤمنوا فدعا على من لا يؤمن من قومه وغيرهم، ورُدَّ بأنَّه لم يُنقل أنَّه نُبِّىء في زمن نوح غيره.
          وقال ابن عطيَّة: الظَّاهر أنَّ دعاءه قومه إلى التَّوحيد بلغ بقيَّة النَّاس لطول مدَّته، فتمادوا على الشِّرك فاستحقوا العذاب.
          وأجاب ابن دقيق العيد بأنَّ التَّوحيد يجوز أن يكون عامًّا في حقِّ بعض الأنبياء وإن كان التزام فروع شريعته ليس عامًّا؛ لأنَّ منهم مَن قاتل غير قومه على الشِّرك ولو لم يكن التَّوحيد لازمًا لهم لم يقاتلهم.
          وقال ابن حجر [☼: يحتمل] (4) أنَّه لم يكن في الأرض عند إرسال نوح إلَّا قومه، فبعثه خاصَّة لكونها إلى قومه فقط لعدم وجود غيرهم، لكن لو اتَّفق وجود غيرهم لم يكن مبعوثًا إليهم.
          قلت: هذا عندي أحسن الأجوبة، ويرشحه أمران:
          أحدهما: قرب مدَّته من آدم، فكان النَّسب بينه وبين الموجودين نسبًا قريبًا غير بعيد، وهو المراد بالقوم.
          والثَّاني: طول مدَّته، فإنَّ ألف سنة إلَّا خمسين عامًا ينتشر فيها من عشيرة الإنسان ما يملأ الأرض.
          (وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً) لمسلم: «وبعثت إلى كلِّ أحمر وأسود»، فقيل: العجم والعرب، وقيل: الإنس والجنُّ.
          وله عن أبي هريرة: «وأرسلت إلى الخلق كافَّة».


[1] ما بين معقوفتين في [ع] : (حينئذ) والمثبت من غيرها.
[2] ما بين معقوفتين في [ع] : (عند) وبعده بياض مقدار كلمة، والمثبت من غيرها.
[3] ما بين معقوفين زيادة من [ف] .
[4] ما بين معقوفين زيادة من [ف] .