النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح

حديث: بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب

          3620- وفيه حديث ابن عباس ☺: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: «لَوْ سَألْتَنِي هَذِهِ القِطْعَةَ مَا أعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُو أمْرَ اللهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللهُ».
          أي: قال لمسيلمة، ومعنى (لئن أدبرت ليعْقِرنَّك الله): لئن أعرضت عن الإسلام الذي جئت لأجله ليغلبنك الله، وقد جاء التركيب على طريقة الاستعارة التمثيلية، إذ شبه الهيئة الحاصلة من إعراضه عن الإسلام بعد اقترابه منه ووشكه عليه ظانًّا نفسه ناجيًا، ثم إيقاع الله إياه في يد المسلمين، / بهيئة حمار الوحش حين يعرض للقنَّاص فيكاد يقع في سوطه ثم يدبر حين يلوح له الصائد فيرميه الصائدُ برمحه فيعقره فيحبسه عن السير ويمسكه.
          وقد حذف بعض أجزاء المركب الدال على الهيئة المشبه بها كما هو الشأن في التمثيلية غالبًا اكتفاء بمعظم أجزائه، وهما الإدبار والعقر؛ إذ لا إدبار في الحقيقة، والعقر: قطع قائمة من الوحش، قال تعالى: {فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ} [الأعراف:77] ، وقال امرئ القيس:
تقولُ وقَدْ مالَ الغبيطُ بنَا معًا                     عَقَرْتَ بعيري يا امرَأَ القَيْسِ فانْزِلِ
          والتشبيه بأحوال حمار الوحش فاش في كلام البلغاء والشعراء، قال الله تعالى: {كأنَّهُم حُمُرٌ مسْتَنْفَرَةٌ. فَرّتْ مِنْ قَسْوَرةٍ} [المدثر:50-51] .
          ولما غفل الشارحون عن هذا التمثيل لم يفسروا موقع: (ليعْقِرَنَّك الله) تفسيرًا رشيقًا، وإسناد العقر إلى الله؛ لأنَّ الله هو المدافع عن دينه {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38] ، وهو كقوله تعالى: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور:39] .
          وقريب من هذا التمثيل المكني قوله تعالى حكاية عن فرعون: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات:22] ، فهو وجه اختيار فِعلَيْ أَدْبَرَ وَيَسْعَى.
          وَلَيْسَ المراد تشبيه مسيلمة بحمار وحش على طريقة الاستعارة المكنية.
          وذكر العقر تخييل؛ إذ لا رشاقة في تشبيهه بذلك على الانفراد.
          وذلك مِمَّا يمنع اعتبار الإفراد في التَّشبيه، ويعيِّن اعتبار التمثيل كقول التنوخي:
كَأَنَّمَا الْمَريخُ والمشترِي                     قُدّامَه في شامخِ الرِّفعة
منصرفٌ بالليل مِنْ دعوةٍ                     قَدْ أُسْرِجَت قُدامَه شمعة /
          إذ لو قيل: شبه المريخ بمنصرف عن دعوة بدون ملاحظة كون المشتري قدامه لما حَسُن ذلك.