الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين

          878- قوله: (بَيْنَا): أصلُه (بَيْنَ)، فأُشبعتْ فتحةُ النونِ، فصارَ: (بينا)، وربَّما / يدخُلُ عليها (ما) فيقال: (بينما)، وهما ظرفانِ بمعنى المفاجأةِ، فيضافانِ إلى جملةٍ، وفي روايةٍ: (بينما... إذْ دخلَ رجلٌ)، وفي رواية: (إذْ جاءَ رجلٌ)، والرجلُ: هو عثمانُ بنُ عفَّان ☺، وقولُه: (مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ): هم مَن أدركَ بيعةَ الرِّضوانِ، وقيل: مَنْ صلَّى إلى قِبلتينِ، وقال في «الكشَّاف»: (الذينَ شهدوا بدرًا). عيني.
          (أَيَّةُ سَاعَةٍ؟!)، و(أَيُّ سَاعَةٍ؟!): الأمرانِ جائزانِ، قال في «الكشَّاف»: (وقد قُرِئَ: ▬بِأَيَّةِ أَرْضٍ تَمُوتُ↨ [لقمان:34])، انتهى كلامُ الكِرمانيِّ.
          زادَ البِرْماويُّ: (تقولُ: «أيُّ امرأةٍ جاءَتْكَ؟»، و«أيَّةُ امرأةٍ؟»، وشَبَّهَ سيبويهِ ذلكَ بتأنيثِ «كلٍّ» في قولِهم: «كُلَّتهنَّ») انتهى.
          والقراءةُ الَّتي أشارَ الزَّمخشريُّ إليها(1) قرأَ بها موسى الأَُسْوارِيُّ(2)، وهي / لغةٌ ضعيفةٌ.
          (شُغِلْتُ): مبنيٌّ للمفعولِ.
          (وَالْوُضُوءُ أَيْضًا؟!(3)): كذا هو بإثباتِ الواوِ، ورُوِيَ بحذفِها، والأوَّلُ يُفيدُ العطفَ على الإنكارِ الأوَّلِ؛ لأنَّه أرادَ بقولِه: (أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟!) التَّعريضَ بالإنكارِ عليه، والتَّوبيخَ على تأخُّرِ المجيءِ إلى الصَّلاةِ، وتركِ السَّبْقِ إليها في أوَّلِ وقتِها، وهذا مِنْ أحسنِ التَّعريضاتِ، وأرشقِ الكِناياتِ، ثم إنَّ عثمانَ لمَّا عَلِمَ مُرادَ عمرَ مِنْ سؤالِه عنِ السَّاعةِ اعتذرَ بأنَّهُ لمَّا سَمِعَ النَّداءَ لم يشتغِلْ بغيرِ الوُضوءِ، فقالَ له(4): ألم يكفِكَ أنْ أخَّرْتَ الوقتَ، وفوَّتَّ نفسَك فضيلةَ السَّبْقِ حتَّى أتبعْتَه بتركِ الغُـَسلِ، والقناعةِ بالوُضوءِ؟! فتكونُ هذه الجملةُ المبسوطةُ مدلولًا عليها بتلكَ اللَّفظةِ، وهي معطوفةٌ على الجملةِ الأُولى، فخَشِيَ عثمانُ فواتَ الجمعةِ، فرأى أنَّ تركَه أَولى مِنْ تَرْكِها.
          وقال القُرطبيُّ: (الواوُ عِوضٌ مِنْ همزةِ الاستفهامِ،[36ب] كما قرأَ ابنُ كثيرٍ: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ} [الأعراف:123]). /
          وأمَّا معَ حذفِ الواوِ فيكونُ _إنْ صحَّتِ الرِّوايةُ_ إمَّا لأنَّه مبتدأٌ وخبرُه محذوفٌ، التَّقديرُ: [الوضوءُ] عذرُكَ أو كفايتُك في هذا المقامِ؟! أو لأنَّه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، التَّقديرُ: عذرُك وكفايتُك الوضوءُ؟!
          ويجوزُ في (الْوُضُوءَُ) الرَّفعُ على أنَّه مبتدأٌ وخبرُه محذوفٌ، التَّقديرُ: الوضوءُ تقتصرُ عليه؟! ويجوزُ أنْ يكونَ منصوبًا بإضمارِ فِعْلٍ، التَّقديرُ: فعلتَ الوضوءَ وحدَه؟! أو: توضَّأْتَ؟! ويَعْضُدُه قولُه: (وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ)، وتكونُ هذِه الجملةُ حالًا منه، والعاملُ فيها الفعلُ المقدَّرُ، ويكونُ العاملُ في الحالِ معَ الرَّفعِ ما دلَّ عليه مجموعُ الجملةِ المقدَّرةِ.
          و(أَيْضًا): منصوبٌ؛ لأنَّه مِنْ آضَ يَئِيضُ أيضًا، أي: عادَ ورَجَعَ، قالَه ابنُ السِّكِّيتِ، تقولُ: فعلتُه أيضًا، إذا كنتَ قد فعلتَه بعدَ شيءٍ آخَرَ، كأنَّكَ أَفدتَ بذِكْرِهِما الجمعَ بينَ الأمرينِ أو الأمورِ، قالَه ابنُ الملقِّنِ.
          واقتصرَ النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ» على النَّصبِ بإضمارِ فعلٍ، التَّقديرُ: فعلتَ الوضوءَ؟! أو: توضَّأْتَ؟! عنِ الأزهريِّ وغيرِه.
          والرَّفعُ نُقِلَ عن خطِّ الدِّمياطيِّ على أنَّه مبتدأٌ وخبرُه محذوفٌ، تقديرُه: / الوضوءُ تقتصرُ عليه؟!
          وقال السُّهيليُّ: (اتَّفقتِ الرُّواةُ على رفعِه؛ لأنَّ النَّصبَ تخريجُه على معنى الإنكارِ لفعلِ الوضوءِ، فلو نُصِبَ؛ لتعلَّقَ الإنكارُ بنفسِ الوضوءِ، ولكنَّه قال: «الْوُضُوءُ»، أي: إفرادُ الوضوءِ والاقتصارُ عليه صنيعُكَ أيضًا؟!).
          وقال ابنُ السِّيدِ: (رُوِيَ بالرَّفعِ فقط على لفظِ الخبرِ، والصَّوابُ: آلوضوءُ، بالمدِّ على لفظِ الاستفهامِ، كقولِه تعالى: {آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ} [يونس:59]، ويجوزُ النَّصبُ، أي: اخترتَ الوضوء؟).


[1] في (ب): (إليها الزمخشري).
[2] في النسختين: (الأهوازي)، والمثبت هو الصواب الموافق للمصادر، وهو موسى بن سيَّار الأَُسواريُّ البصري، المتوفى نحو سنة (150ه). انظر: «ميزان الاعتدال» (4/206، 227)، والأَُسْوارِيُّ: نسبة إلى أَُسْوارِيَّةَ؛ بفتح الهمزة وتُضمُّ، مِن قُرى أصبهان. انظر: «معجم البلدان» (1/190).
[3] (أيضًا): ليست في (ب).
[4] (له): ليست في (ب).