الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم

          528- (أَرَأَيْتُمْ): وفي بعضِها: (أَرَأَيْتَكُمْ): الهمزةُ للاستفهامِ، والتَّاءُ للخطابِ، / و(كُمْ): حرفٌ لا محلَّ له مِنَ الإعرابِ.
          (لَوْ): الامتناعيَّةُ تقتضي أنْ تدخُلَ على الفعلِ الماضي وأنْ يُجابَ؛ فتقديرُه: لو ثبتَ نَهَرٌ ببابِ أحدِكم يَغتسلُ فيه كلَّ يومٍ خمسًا لَمَا بَقِيَ مِنْ دَرَنِه شيءٌ، فوضعَ الاستفهامَ موضعَه تأكيدًا وتقريرًا؛ إذْ هو في الحقيقةِ مُتَعَلَّقُ الاستخبارِ، أي: أخبروني هل يبقى لو كان كذا؟
          قولُه: (خَمْسَ مَرَّاتٍ): هذا واردٌ على مقتضى القياسِ؛ لأنَّ الجمعَ بالألفِ والتَّاءِ جمعُ قِلَّةٍ؛ قالَه ابنُ مالكٍ.
          قال المالكيُّ: (وفيه شاهدٌ على إجراءِ فِعْلِ القولِ مُجرى فِعْلِ الظَّنِّ، والشَّرطُ فيه أنْ يكونَ فِعلًا مضارعًا مُسْنَدًا إلى المخاطَبِ متَّصلًا باستفهامٍ؛ كما في هذا الحديثِ، ولفظُ «ذَلِكَ»: مفعولٌ أوَّل، و«يُبْقِي»: مفعولٌ ثانٍ، و«مَا» الاستفهاميَّة: في موضعِ نصبٍ بـــ«يُبْقِي»، وقُدِّمَ؛ لأنَّ الاستفهامَ له صدرُ الكلامِ، والتَّقديرُ: أيَّ شيءٍ تَظُنُّ ذلكَ الاغتسالَ مُبقيًا مِنْ دَرَنِه؟ هذا التَّقديرُ على اللُّغةِ المشهورةِ، وأمَّا سُليمٌ، فهم يُجْرونَ أفعالَ القولِ كلَّها مُجرى الظَّنِّ بلا شرطٍ، فيجوزُ على لغتِهم أنْ يُقالَ: «قلتُ زيدًا منطلقًا»، ونحوُه.
          وعلى اللُّغةِ المشهورةِ: قولُ النَّبيِّ صلعم: «آلبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟» [خ¦2034]، أي: آلبِرَّ تظنُّونَ؟ وفي روايةِ عائشةَ ♦: «آلبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟» [خ¦2033]، ومعنى «تُرَوْنَ» / أيضًا: تظنُّون، فـــ«البِرَّ» مفعولٌ أوَّل، و«بِهِنَّ»: مفعولٌ ثانٍ، وهما في الأصل مبتدأٌ وخبرٌ).
          و(مِنْ): في قوله: (مِنْ دَرَنِهِ): استغراقيَّةٌ زائدةٌ لمَّا دخلَ في حيِّزِ(1) الاستفهامِ، و(دَرَنِهِ): فاعلُ (يَبْقَى).
          (فَذَلِكَ): الفاءُ فيه جوابُ شرطٍ محذوفٍ، أي: إذا أقررتُم ذلكَ، وصحَّ عندَكم، فهو مثلُ الصَّلاةِ، وفائدةُ التَّمثيلِ التَّأكيدُ، وجَعْلُ المعقولِ كالمحسوسِ.


[1] في النسختين: (خبر).