الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: مر النبي بحائط من حيطان المدينة

          216- (فِي قُبُورِهِمَا): لهما قبرانِ لا قبورٌ، لكنْ هو كقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4].
          قال المالكيُّ في «الشواهد»: (عُلِمَ مِنْ إضافة الـــ«صَوْت» إلى «إِنْسَانَيْنِ» جوازُ إفرادِ المضافِ المثنَّى معنًى إذا كان جزءَ ما أُضيفَ إليه نحو: «أكلتُ / رأس شاتين»، وجمعُه(1) أجودُ؛ كما في {قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4]، والتَّثنيةُ مع أصالتها قليلةُ الاستعمال، وإنْ لم يكن المضافُ جزءَه فالأكثرُ مجيئُه بلفظ التثنية، نحو: «سَلَّ الزيدان(2) سيفيهما»، وإِنْ أُمِنَ اللَّبْسُ جاز جَعْلُ المضافِ بلفظ الجمعِ، وفي: «يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا» شاهدٌ عليه، وكذا قولُه ◙ لعليٍّ ☺: «إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا» [خ¦3113]).
          (فِي كَبِيرٍ): (فِي) هنا للسَّببيَّة، وقال ابنُ مالكٍ في قولِه صلعم: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ...» [خ¦2365]: (تضمَّن هذا الحديثُ استعمال «فِي» دالَّةً على التَّعليل، وهو ممَّا خَفِيَ على أكثرِ النَّحْويِّين مع وُرُودِه في القرآن والحديثِ والشِّعر القديم، فمِنَ الواردِ في القرآن: قولُه تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} [الأنفال:68]، {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} [النور:14]، ومِنَ الواردِ في الحديث: «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ» [خ¦2365]، «وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ» [خ¦216]، ومِنَ الواردِ في الشِّعر القديم قولُ جميلٍ: [من الطويل]
فَلَيْتَ رِجَالًا فِيْكِ قَدْ نَذَرُوا دَمِي                     وَهَمُّوا بِقَتْلِي يَا بُثَيْنَ لَقُونِي)
          (لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ): شبَّه (لَعَلَّ) بـــ(عَسَى) فأتى بـــ(أَنْ) في خبرِه. /
          قال المالكيُّ: (روي: «يُخَفَّفَ عَنْهَا» على التَّوحيد والتَّأنيث، وهو ضمير النَّفس، وجاز إعادةُ الضَّميرين في «لَعَلَّهُ» و«عَنْهَا» إلى الميت باعتبار كونِه إنسانًا، وكونِه نَفْسًا، ويجوزُ كونُ الهاء في «لَعَلَّهُ» ضميرَ الشَّأن، وكونُ الضَّمير في «يُخَفَّفَ عَنْهَا» ضميرَ النَّفس، وجاز تفسيرُ ضميرِ الشَّأن بـــ«أَنْ» وصلتِها مع أنَّها في تقدير مصدرٍ؛ لأنَّها في حكمِ جُملةٍ؛ لاشتمالها(3) على مُسنَدٍ ومُسنَدٍ إليه، ولذلك سَدَّت مَسَدَّ مفعولي «حَسِبَ» و«عَسَى» في نحو: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ} [البقرة:214]، وفي {عَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا} [البقرة:216]، ويجوز في قول الأخفش أن تكون «أَنْ» زائدةً مع كونها ناصبة؛ كزيادة «الباء» و«مِنْ» مع كونهما جارَّتين).
          أقول: ويَحتمل أن يكونَ الضَّميرُ مبهمًا يفسِّرُه ما بعدَه، ولا يكونَ ضميرَ الشَّأن، كقوله: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية:24].
          (ومِن تفسيرِ ضميرِ الشَّأن بـــ«أَنْ» وصلتها: قولُ عمرَ ☺: «فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلَايَ» [خ¦4454]).


[1] في (ب): (وجهه)، والصواب الموافق لمصدره ما أثبت من (أ).
[2] في (ب): (الزايدان).
[3] هكذا في النسختين، ولعل الصَّواب: (أنهما... لأنهما... لاشتمالهما).