الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: أن القاسم كان يمشي بين يدي الجنازة ولا يقوم لها

          3837- (كُنْتِ فِي أَهْلِكِ مَا أَنْتِ مَرَّتَيْنِ): قال الكِرمانيُّ: («ما»: موصولةٌ، وبعضُ صِلتِهِ محذوفٌ، أي: الذي أنت فيه كنتِ في الحياة مثلَه، إن خيرٌ فخيرٌ، وإن شرٌّ فشرٌّ، وذلك فيما كانوا يزعمون مِن(1) أنَّ روح الإنسان تصير طائرًا مثلَه، وهو المشهورُ عندَهم بالصَّدى والهام، أو استفهاميَّةٌ، أي: كنت في أهلك شريفًا مثلًا، فأيُّ شيءٍ أنت الآن؟ أو «ما» نافيةٌ و«مرَّتين»: مِن تتمَّةِ القولِ، أي: كنت مرَّةً في القوم، ولست بكائنٍ فيهم مرَّةً أُخرى كما هو مُعتَقدُ الكفَّار حيث قالوا: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية:24]). /
          وسألتُ شيخَنا الحافظَ ابنَ حجرٍ أبقاه الله تعالى عن هذا، فقال: (ذكرتُ في «فتح الباري» احتمالاتٍ؛ أقربُها: أنَّ لفظةَ «ما» استفهاميَّةٌ، والتقديرُ: كنتِ في أهلكِ مقيمةً، أو عزيزةً، فما أنت الآن؟ يقولون ذلك حزنًا وأسفًا على فَقْدِه) انتهى.
          ثمَّ وقفتُ على «فتحه»، فقال فيه ما لفظُه: (أي: يقولون ذلك مرَّتين، و«ما»: موصولةٌ، وبعضُ الصِّلةِ محذوفٌ، والتقديرُ: كنتِ في أهلك [الذي كنتِ فيه]، أي: الذي أنتِ فيه الآن كنتِ في الحياة مثلَه؛ لأنَّهم كانوا لا يؤمنون بالبعث، لكن كانوا يعتقدون أنَّ الروحَ إذا خرجت تصيرُ طيرًا، فإن كان مِن أهلِ الخيرِ كان رُوحُه مِن صالِحي الطير، وإلَّا فبالعكس، ويَحتملُ أنْ يكون قولُهم هذا دعاءً للميِّت، ويَحتمل أنْ تكونَ «ما» نافيةً، ولفظُ «مرَّتين» مِن تمامِ الكلامِ، أي: لا تكوني في أهلكِ مرَّتين؛ بل المرَّة الواحدة التي كنت فيهم انقضت، ولستِ بعائدةٍ إليهم مرَّةً أُخرى، ويَحتملُ أنْ تكونَ «ما» استفهاميَّةً، أي: كنتِ في أهلك شريفةً، فأيُّ شيءٍ أنتِ الآن؟ يقولون ذلك حزنًا وتأسُّفًا عليه) انتهى.


[1] (من): ليست في (ب).