الناظر الصحيح على الجامع الصحيح

حديث: يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها

          2566- (يَا نِسَاءَُ المُسْلِمَاتُِ): قال ابنُ السِّيدِ، والسُّهيليُّ، وغيرُهما: رُوِيَ برفعِ الهمزةِ، وهو المختارُ على أنَّه منادًى مفردٌ، نحو: يا زيدُ، ويجوزُ في (المؤمنات) الرفعُ صفةً على اللفظِ، والنصبُ صفةً على الموضعِ؛ كقولِكَ: (يا زيدُ العاقلُ)، و(يا زيدُ العاقلَ)، إلَّا أنَّ (المؤمنات) يُجرُّ علامةً للنصبِ؛ لأنَّ جمعَ المؤنَّثِ يستوي جرُّه ونصبُه على ما أحكمتْه صناعةُ العربية.
          ولا يستحيلُ ارتفاعُ المنادى وإن كان غيرَ عَلَمٍ بالإقبالِ كما قال الله: {يَا جِبَالُ(1)} [سبأ:10].
          وأمَّا ما رُوِيَ: (يا نساءَ) بالنصبِ فعلى أنَّه منادًى مضافٌ، وخفضُ (المؤمناتِ) / بالإضافةِ؛ كقولِهم: (مسجدُ الجامعِ)، ممَّا أُضيفَ فيه الموصوفُ إلى الصفةِ في اللفظِ، فالبصريُّونَ يتأوَّلونَه على حذفِ الموصوفِ، وإقامةِ صفتِه مُقامَه، أي: يا نساءَ الجماعاتِ المؤمناتِ، والكوفيُّونَ لا يُقدِّرونَ محذوفًا، ويكتفونَ باختلافِ الألفاظِ في المغايرة.
          ووجَّه ابنُ رُشَيد(2) ذلك بأنَّ الخطابَ توجَّه إلى نساءٍ بأعيانِهِنَّ، أقبلَ بنِدائِهِ عليهنَّ، فصحَّتِ الإضافةُ على معنى المدحِ لهُنَّ، فالمعنى: يا خيِّرات المؤمنات.
          وعنِ ابنِ عبدِ البَرِّ إنكارُ الإضافةِ.
          وقال ابنُ السِّيدِ: وليسَ بصحيحٍ؛ لأنَّه قد نقلتْهُ الرُّواةُ، وتُساعِدُه اللُّغةُ، قال: وتوجيهُ ابنِ رُشَيدٍ(3) يُقالُ فيه: إنَّه وإنْ خاطبَ نساءً بأعيانِهِنَّ فلمْ يَقصِدْ تخصيصَهُنَّ به، بل غيرُهُنَّ كذلِكَ، فالخطابُ على العمومِ، انتهى كلامُ الزركشيِّ.
          (لِجَارَتِهَا): متعلِّقٌ بمحذوفٍ، أي: لا تَحقِرَنَّ جارةٌ هديَّةً مُهداةً لجارتِها.[64أ]
          (وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ): بنصبِ (فِرْسِنَ) تقديرُه: ولو كانَ [المُهْدَى] فِرْسِنَ. /


[1] زيد في (ب): {أَوِّبِي}.
[2] في النسختين: (رشد)، وفي هامشهما: (بخطِّ بعضِهم: لعله: رُشَيد، وهو إمامٌ عالمٌ كبيرٌ مِنْ مشايخِ المغاربةِ)، وزيد في (ب) قبلَه: (وجدتُ بخطِّ شيخِنا المؤلِّفِ ما لفظُه...) وذكره، وهو الإمام أبو عبد الله محمَّد بن عمر بن محمد بن رُشَيد الفِهْريُّ السبتيُّ، رحَّالة، عالم باللغة والأدب والتاريخ والفقه والتفسير، ولد سنة (657هـ) بسبتة، وتوفِّي سنة (721هـ) بفاس، وله التصانيف الكثيرة، انظر «الوافي بالوفيات» (4/199)، «غاية النهاية» (2/219)، «الدرر الكامنة» (4/111_113)، «بغية الوعاة» (1/188).
[3] في (أ): (رشد)، وتقدَّم.